لقاء النواب السُّنّة الـ13 في منزل النائب فؤاد مخزومي أواخر تشرين الأول الماضي لم يعمّر طويلاً. قبل مرور شهر على ولادته تفرّق المجتمعون وارتفعت المتاريس بينهم. أول الخاسرين هو مخزومي الحالم بإنشاء «حالة» في الشارع السني لوراثة «الحريرية السياسية».قصة اللقاء بدأت بفكرة «لمعت» في رأس مخزومي بالعمل على جمع أكبر عدد من النواب السُّنة على طاولة واحدة. طرح فكرته على السفير السعودي وليد البخاري الذي «بارك» الأمر، لكنه بدا حذراً من تبنّي أي موقف. بعدها، بدأ مخزومي رحلته «التسويقية» معتمداً إسماع كل طرف ما يحبّ سماعه، إذ إن لكل نائب ممن حضروا اللقاء وممن لم يحضروه رواية مختلفة حول هدفه. بعضهم أُبلغَ بأنه «لقاء سياسي نيابي متنوّع»، وعندما حضر اكتشف أنه مجرد اجتماع مذهبي يخدم فكرة مذهبية فقرّر عدم الاستمرار. آخرون قِيل لهم إن اللقاء عبارة عن «جلسة تشاورية» حول سبل النهوض بالبلد، فاكتشفوا أن ثمّة «موّالاً» آخر لدى الداعي. فيما قسم ثالث وُضِع في صورة أن اللقاء مجرد «فكرة دينامية» لجمع أكبر عدد من النواب على قاعدة سيادية واحدة، قبل أن يكتشف أن القاعدة طائفية بحتٌ. عدم وضوح مخزومي أدّى إلى خلية غير متجانسة غرقت لاحقاً في كومة من التناقضات.
بناءً عليه، جلّ ما انتهى إليه الاجتماع الأول هو إنشاء «غروب» على تطبيق «واتس آب» للتداول، والاتفاق على أن يكون الاجتماع دورياً، والتحضير لجدول أعمال الاجتماعات المقبلة. هنا، برزت المشكلة، إذ بدا واضحاً أن مخزومي كان يفضّل «مركزية» الاجتماعات، بمعنى أن تكون الاستضافة له وحده، وهو ما تراجع عنه لاحقاً. في المقابل، فإن نائب بيروت الآخر، نبيل بدر، كانت لديه منذ البداية هواجسه، فأصرّ على أن تكون الاجتماعات «جوّالة» ومفتوحة، إضافة إلى خلافات أخرى ظهرت سريعاً أسّست لتشنّج بين الرجلين. وبدأ تقاذف الاتهامات بين أعضاء اللقاء. اتُّهِم بدر باستقطاب مجموعة من النواب إلى لقاءات خاصة للتداول في شؤون سياسية وإنمائية بمعزل عن اللقاء الأمّ، ونُقل عنه أنه لن يتسامح مع من يحاولون الاستفراد بقرار النواب السُّنة أو السيطرة عليهم. لكن، رغم هذه المناوشات، طُرح عقد اجتماع جديد للقاء. أراد بدر أن يستضيف الاجتماع الثاني، لكن ثمّة من اقترح توازناً جغرافياً بعقده في منطقة أخرى، وتم الاتفاق على أن يستضيفه نائب عكار محمد سليمان في 8 تشرين الثاني الماضي، في منزله في... بيروت! عُقد اللقاء الذي اعتذر بدر والنائب ياسين ياسين عن عدم حضوره. بعدها، كرّر بدر اقتراحه باستضافة الاجتماع الثالث، فكان له ما أراد. حُدِّد الموعد بعد أسبوع، لكنّ المفاجأة كانت بحضور نائبين فقط من أصل 12، بعدما أعلن وضاح صادق انسحابه من التجمع. أثار الأمر استياء بالغاً لدى النائب البيروتي الذي كان قد جهّز «السفرة» لـ 12 مدعوّاً، فأبلغ من يعنيهم الأمر أنه بات خارج أي لقاء نيابي يحمل صفة «اللقاء السُّني» طالما أن الأمور تُدار بهذه الطريقة، لينفرط مذَّاك عقد اللقاء ويبدأ صراع مخزومي - بدر علناً.
المشترك بين النائبين المتصارعين تباريهما في التسويق لدى البخاري لقدرتهما على استمالة النواب السُّنة


أجواء النواب السُّنة تقدم تفسيرات متباينة تبعاً لقرب كل منهم من أيّ من الطرفين. بعضهم يشير إلى أن بدر يروّج بأنه سيتولّى حقيبة الداخلية في أي حكومة مقبلة، بعدما دخل في «تحالف» مصلحي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وهو يعمل على استمالة مجموعة نيابية يستفيد منها ميقاتي في المقام الأول. وربطاً بعلاقته المستجدّة مع رئيس الحكومة، يؤمّن بدر خدمات واسعة مناطقية وعلى المستوى النيابي الأوسع. وبات يستقبل نواباً محسوبين تقليدياً على «البيئة الحريرية» لحجز دور على «قائمة الخدمات» التي تتشعّب من تدخل لإخلاء سبيل موقوف بتوصية من مكتب رئيس مجلس الوزراء، وصولاً إلى تأمين بئر مياه.
في المقابل، يُتهم مخزومي بمحاولة فرض نفوذه على النواب السُّنة مستفيداً من غياب تيار المستقبل لينصّب نفسه «مرجعية سنية»، وهو ينشط - من جيبه الخاص - في تأمين خدمات يستفيد منها النواب المقرّبون منه كلٌّ ضمن منطقته.
المشترك بين النائبين المتصارعين والذي يُعد سبباً جوهرياً للتنافس، تباريهما في التسويق لدى السفير السعودي لقدرتهما على استمالة شريحة واسعة من النواب السُّنة.