تترأس القرية الميلادية في بلدة علما الشعب الحدودية، قائمة الاحتفالات المقامة في المنطقة لمناسبة عيد الميلاد. حدثٌ ضخم ألبسه شباب علما الشعب ثوب التميّز والانفراد، مفرغين طاقاتهم المثمرة في سبيل إنجاح المشروع يشكل اليوم بوّابة تلاق لأهالي المنطقة باختلاف انتماءاتهم. فتضيء هذه القرية الميلادية ليالي كانون الأول الباردة بهجةً وفرحاً، منفردة بفكرتها وضخامتها عن كل زينة القرى المجاورة خصوصاً أن المكان لا يزال يحتفظ بطابعه التراثي، الذي تشي به جدران المنازل وحجارتها.
(الأخبار)


أجواءٌ ميلادية ساحرة
كما في العام الماضي، حجزت علما الشعب لنفسها موسماً ميلادياً مميّزاً. زينةٌ ميلادية تجمع ما بين الأصالة والمعاصَرة، محافظةً على قُدسية المناسبة. جولة في القرية، تشقّ خلالها «الهاليلويا» طريقها بسلاسة إلى ثنايا القلب، فيما تعبق ضحكات الأطفال وأُنسهم في أرجاء المكان. كبار السنّ يباركون المحتفلين، والشباب متحمسون، أما السيدات فيعرضن منتجاتهن: صوفٌ ومونة وحلويات ومشروبات. ويتسنّى لك أيضاً أن «تتعشّى وتتمشّى» على مسامع الأغاني الميلادية في أزقة الحارة القديمة.
وتفرض المنتجات التراثية نفسها كجزء أساسي من الصورة العامّة لهذه القرية، إذ لا تخلو السوق الميلادية من المنتجات اليدوية والحرفية، وكلّها «شغل علما»، من صابون الغار وأباريق الفخار وأواني القش والتحف الفضية المشغولة يدوياً والحلي. أمّا عن النشاطات، فينتظر الزوّار برنامجاً متكاملاً من العروض والفعاليات وبدخول مجّاني. وللأطفال حصة مهمة من هذا المناسبة، بعض الألعاب الموجودة هي مجّانية وأخرى بمقابل مادّي.

جهودٌ شبابية وتبرعات قيّمة
تبلورت فكرة المشروع فعلياً منذ ثلاث سنوات، تزامناً مع إحياء نادي علما الشبابي، الذي أخذ على عاتقه مذاك مهمة تنفيذ مشاريع ثقافية ورياضية واجتماعية في البلدة. في العام الماضي، بلغ المشروع أوجّه بعدما حصل النادي على تبرّعات مادية قيّمة من أهالي البلدة في لبنان وبلاد الاغتراب، وصل عددها إلى 90 تبرّعاً تتراوح قيمة كلّ منها ما بين ألف ومئة ألف ليرة لبنانية بحسب رئيس نادي علما الشبابي إيلي عيد. ويشير عيد إلى أنّ هذه التبرّعات سمحت بإقامة عروض عالمية في القرية الميلادية لعلما الشعب العام الماضي على مدى أربعة أيامٍ متتالية، واستئجار شركات متخصصة بالتزيين سهّلت المهمّة حينها.

إنتاج أفضل بكلفة أقلّ
غير أن واقع الحال يختلف هذا العام بسبب اشتداد الأزمة الاقتصادية. فقد رمت الظروف المعيشية بثقلها على كاهل الأهالي، وباتت الأولوية لدى الميسورين والمغتربين إعالة أكبر عدد ممكن من المتعثرين اقتصادياً. يُبدي عيد تفهّماً واضحاً لتناقص الدعم المادي للقرية الميلادية، معتبراً أنّ هذه المسألة خلقت تحدّياً كبيراً لدى الشباب، فاستغلّوا طاقاتهم المتواضعة في سبيل إنجاح المشروع، ما نمّى لديهم ثقة مهمة بقدراتهم. ولسدّ النقص المادي، لجأ هؤلاء إلى شركاتٍ مهتمّة بتمويل المشروع: «من أصل 100 شركة راسلناها، 5 منها فقط رحّبت بالفكرة. قلّما يهتم أحد بتمويل مشروع نجاحه غير مضمون، بخاصة في منطقة بعيدة مثل علما».
خلف حماسة الشباب حسرة لغياب عدد كبير من أصدقائهم في هذا الموسم


من ناحية أخرى، استبدل شباب النادي العروض العالمية بعروضٍ جيّدة أقلّ كلفة، تتناسب مع القدرات المادية للنادي. يعقّب عيد على هذه النقطة مشيراً إلى أنّها واحدة من أهمّ التحديات التي أنضجت المشروع وراكمت خبرات جيدة لدى الشباب المتطوّعين، إذ حققوا إنتاجاً ميلادياً أفضل بكلفةٍ أقلّ. كما حمل هؤلاء على عاتقهم مهمة إنجاز المشروع من الألف إلى الياء.
بنبرةٍ حماسية واضحة، يروي لنا الشبّان الحاضرون تجربتهم لهذا العام: «نحن زيّنا ونحن دهنّا ونحن نظّفنا ونحن رتّبنا ونحن عم ننظّم... آخدين فرصة من أشغالنا لنكون عم نساعد هون». وخلف هذه الحماسة تختبئ حسرة كبيرة لغياب عدد كبير من الشباب في هذا الموسم، بفعل الهجرة أو النزوح أو الوفاة. فقد خطف الموت هذا العام ثلاثة شبابٍ من أعضاء النادي، وهاجر كُثُر بحثاً عن فرصٍ أفضل.
يذكر أن القرية الميلادية، التي افتتحت في 17 الشهر الجاري، على وقع موسيقى الأعياد وبحضور الأهالي وشخصيات دينية وبلدية في المنطقة وبمؤازرةٍ دائمة للقوى الأمنية. تشرّع أبوابها أمام الزائرين عند الساعة الرابعة من عصر كل يوم، حتّى نهاية الشهر.