يعود أعضاء في روابط التعليم الرسمي (أساسي، ثانوي، مهني وجامعي) ونقابة معلّمي الخاص تباعاً من الأردن، بعد مشاركتهم في مؤتمر «المنظمة الدولية للتربية»، وانتخاب منال حديفة عضو رابطة الأساسي «رئيسةً للبنية العربية» في المنظمة، وسناء أبو حيدر وسامر أرناؤوط في المجلس الإقليمي العربي للمنظمة، وهما عضوان في نقابة التعليم الخاص. هذه المشاركة تمّت من دون تنسيق مع بقية مكوّنات الروابط، التي «عرفت من الإعلام عن سفر رؤساء الروابط والأعضاء المرافقين، إذ لم يحصل أيّ نقاش جدّي بينهم». تزامنت هذه المشاركة مع إعلان رؤساء الروابط، قبل السفر مباشرةً، التوقف القسري عن التعليم ليومين من كلّ أسبوع حتى نهاية الشهر الجاري.

العدوّ هنا
الرغبة في النقاش تنطلق بداية من هوية «المنظمة الدولية للتربية»، التي تمثّل أكبر تجمّع نقابي للمعلّمين في العالم، إذ «تنضوي فيها 383 نقابة تعليمية من 178 دولة، وما يقارب 32 مليون معلّمة ومعلم وعامل في الحقل التربوي» بحسب موقع المنظمة على الإنترنت. ولكن، لا مركز دائماً لهذه المنظمة في لبنان، على الرغم من طلبها منذ عام 2014 تسجيل الكيان كجمعية، والمرسوم اللازم لذلك مكتوب لكنه يفتقر إلى توقيع من وزير الداخلية، أو موافقة مجلس الوزراء. فالجمعية العتيدة، هي فرع لمنظمة دولية تنضوي فيها نقابات تعليمية في دولة العدو، أبرزها اتحاد المعلّمين الإسرائيليين «ITU»، ومنظمة معلّمي المرحلة الثانوية «ASSI». وعليه، تمّت «عرقلة شرعنة» وجودها في لبنان لأسباب تعود بشكل أساسي إلى «شبهات تطبيعية» تحوم حولها، وحول أهدافها المعلنة في دستورها.
لا يعني الأمر أن المشاركة تعني التطبيع مع العدو، إلا أنّه في ظروف مماثلة ينصح البعض بعدم المشاركة، إذ تؤكد عفيفة كركي، من «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان»، على أنّه «في مؤتمرات ومنظمات مماثلة يكون التطبيع على بعد خطوة في حال لم يلتفت الحاضرون، لذا من الضروري عدم التواجد على منصة واحدة مع العدو»، محذّرة من «توقيع أيّ عقود لا تحتوي على بنود تؤكّد رفضَ التطبيع مع العدو».

النقابيون يرفضون
الأمر الثاني الذي يستدعي النقاش مرتبط بدور المنظمة التي تتشكّل من مجلس تنفيذي، وهو السّلطة العليا، أعضاؤه هم رؤساء «البنى الإقليمية»، وعلى رأسهم جميعاً الأمين العام للمنظمة. وتقسّم المنظمة العالم إلى 5 مناطق: آسيا، أفريقيا، أوروبا، أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية، ويضاف إليها 3 أقاليم: العربي، الكاريبي ومجلس المحيط الهادئ. وأبرز ما ينصّ عليه دستور «المنظمة الدولية للتربية»، ومقرّها الرئيس في بروكسل بلجيكا، «بناء التضامن والتعاون المتبادل بين المنظمات الأعضاء»، و«التشجيع على توثيق العلاقات بين المعلّمين والعاملين في قطاع التعليم في كل البلاد، وذلك عبر منظماتهم»، أما التقدّم لعضوية المنظمة فيفرض وفقاً للنظام الداخلي «الالتزام بأهداف ومبادئ الدولية للتربية».
هنا يطرح نقابيون أسئلة حول «الجدوى من المشاركة في المنظمة، وآلية العمل على مستوى لبنان، وكيفية مناقشة القضايا التي تطرحها»، ولا سيّما أنّ مشاركة روابط التعليم الرسمي في المؤتمر هي الأولى من نوعها على هذا المستوى التمثيلي، إذ شاركت رابطتا الثانوي والأساسي برؤسائها، كما أنّ عدد أعضاء الوفود كبير. ويحذّر النقابيون من التهاون أمام هذه المنظمات وعدم التدقيق في خلفياتها، فـ«هي تستغلّ الأوضاع الاقتصادية لفرض أجندات، ما يقلّص من سيادة الدولة على الملف التربوي»، ويضيفون: «سبق أن حذّرنا من دور اليونيسف، وها هي اليوم تتدخل بالشاردة والواردة في الوزارات». ويتساءل عضو آخر عن «سبب اصطحاب أعضاء دون غيرهم، وكيفية تنسيق المواقف خلال التصويت على أيّ أمر في المنظمة، سيّما أنّ الأعضاء ممثلون للمعلّمين في لبنان لا أنفسهم»، ويرى في ما جرى «باباً واسعاً للخلاف، وإظهاراً للشرخ على العلن، خاصة أنّ القضايا التي يناقشها المجلس التنفيذي في المنظمة ليست نقابية دائماً، بل تأخذ الطابع السّياسي والاجتماعي، وهي محطّ خلاف بين اللبنانيين».

التعليم الخاص: درّبنا وتدرّبنا
بالنسبة إلى نقابة التعليم الخاص، الأمور واضحة، إذ يؤكّد النقيب نعمة محفوض أولاً «رفضَ النقابة سابقاً للدخول في المنظمة عندما كانت البنية الإقليمية تشمل دولة العدو، وبعد تشكيل بنية عربية انضممنا». ويشير إلى «حضور المنظمة في مختلف المحافظات اللبنانية لإقامة دورات للمعلّمين». يضيف محفوض: «شاركت النقابة في مؤتمرات كثيرة خاصة بالمنظمة، وفيها تدرّبنا ودرّبنا، في لبنان وخارجه»، ويبرّر ذلك بضرورة «البقاء على تواصل مع الخارج، وتأهيل المعلّمين دائماً». وعلى صعيد العمل النقابي، «نطلب الدعم من المنظمة في المشاكل التي تقع بيننا وبين الدولة».
وخلال المؤتمر الأخير حمّلت نقابة المعلّمين مندوبيها «مشكلة الوضع المالي للأساتذة وتآكل تعويضاتهم في الصناديق الضامنة، ومنها صندوق التعاضد». وحول من يدفع تكاليف السّفر والإقامة في الأردن، فيجيب محفوض بأنّها «على حساب المنظمة بشكل كامل، إذ لا نمتلك دولاراً واحداً، وحصلنا على عفو كي لا ندفع الاشتراكات».
حذّرنا من دور اليونيسف وها هي اليوم تتدخّل بالشاردة والواردة في الوزارات


من جهتها، تؤكد «رئيسة البنية العربية» منال حديفة، وجودَ روابط التعليم الرسمي في المنظمة منذ عام 2015، إذ كانت يومها عضواً بعد فوزها بآخر انتخابات جرت في الكويت. وتصف المنظمة بـ«المتابعة لحقوق المعلّمين، والضاغطة على الحكومات للحفاظ على مكتسباتهم»، وتشير إلى «عدم تقديمهم أيّ شيء بالمباشر»، مع إشارتها إلى «مشاركتها في الاستحقاق القادم لانتخاب الأمين العام الجديد للمنظمة». أمّا بالنسبة إلى التكاليف، فتغطيتها على عهدة المنظمة بشكل كامل، ولا علاقة لا للروابط ولا لوزارة التربية، ولبنان تقدّم بطلب إعفائه من دفع الاشتراكات البالغة 0.5 يورو عن كلّ منتسب نتيجة للأزمة المالية، وقُبل الطلب.



المنظّمة في لبنان
لم يقف «عدم ترخيص الجمعية»، بوصفه باباً لدخول المنظمة إلى لبنان، عائقاً أمام التواصل والتنسيق بين «الدولية للتربية» والجهاز التعليمي في لبنان بشكل عام، إذ لم تنقطع زيارات مسؤولي المنظمة لبيروت سيّما بعد عام 2019. فقد عبّر «دايفيد إدوارد»، الأمين العام للمنظمة، في وقت سابق، وخلال لقاءٍ مع روابط التعليم الرّسمي عن «اهتمامه الشّديد بلبنان»، واصفاً البلد بـ«المهمة الأولى قبل أفريقيا وآسيا»، وانتقد بشدّة أداء المنظمات الدولية الأخرى كـ«اليونيسف»، ووصفها بـ«حكومة ظلّ في لبنان، فهي تصرف على كلّ تفصيل في الوزارات حتى ورق التواليت». كما لم تسلم سياسات البنك الدولي من انتقاداته، سيّما تلك المتعلّقة بـ«إدارة القطاع التربوي»، ولم ينسَ خلال لقائه التأكيد على «ضرورة تعليم السّوريين». ومن الضروري الإشارة إلى أنّ إدوارد هذا ليس نقابياً فقط، بل له مواقف سياسية يعبّر عنها علناً على منصات التواصل الاجتماعي، وهي محلّ خلاف وانقسام في لبنان، و«لن تكون عامل جمع بين النقابات والنقابيين».