لم تأت نتائج انتخابات إفتاء عكار خارج التوقعات بعدما حصد المفتي زيد بكار زكريا 96 صوتاً مقابل 66 صوتاً لمنافسه المفتي السابق أسامة الرفاعي، إلى جانب صوتين لكل من المرشحين ناجي علوش وعبد الرحمن الرفاعي. وبيّنت النتائج صعوبة العودة الى عام 2008 وإلى الظروف التي كانت كفيلة حينها بتعيين المفتي أسامة الرفاعي بطلب من الرئيس سعد الحريري. وعكس الإقبال اللافت على الاقتراع (168 ناخباً من أصل 172) حماسة أعضاء الهيئة الناخبة الذين توجهوا باكراً الى دائرة الأوقاف الإسلامية للادلاء بأصواتهم، وسط خيارات محسومة سابقاً بسبب الفرز الواضح بعد التدخل السياسي العلني للنائب وليد البعريني بكل الوسائل دعماً للرفاعي، بخلاف زميليه النائبين محمد سليمان ومحمد يحيى اللذين عملا على دعم زكريا بهدوء.
وفي قراءة لنتائج الانتخابات يظهر:
أولاً، أن البعريني تلقى صفعة قوية بعدما دعم الرفاعي في وجه ابن بلدته، ما اعتبر بمثابة انتحار سياسي، وخصوصاً عقب نتائج الانتخابات النيابية التي أظهرت تراجع شعبيته من 22 ألف صوت الى 11 ألفاً، وهو ما دفع بعائلة البعريني الى إصدار بيان عشية الاقتراع لتأكيد دعم ابن البلدة المفتي زكريا. ويمكن القول إن البعريني الذي أراد تحجيم زكريا، بسبب دعمه لقوى «التغيير» في الانتخابات النيابية، وتحديداً المرشح محمد بدرا الذي حصد نحو 10 آلاف صوت، قام بدعسة ناقصة أظهرت عدم موْنَته على البلديات والفاعليات الدينية كما كان يتوقع.
ثانياً، ظهر للبعريني أنه ليس الرقم الأول في معقله (منطقة جرد القيطع)، ولا يمكن أن يختصر الزعامة بشخصه، وأن لعائلة زكريا حيثية لا يمكن تجاوزها، وقد يكون خسر أصوات العائلة التي أعطته أكثر من 90 في المئة من أصواتها في الانتخابات النيابية الأخيرة.
ثالثاً، فشل خطة الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري في محاولة تمييع الأمور بالإيحاء بدعم كل من المرشحين لقطف نجاح أي منهما، بعدما ظهر تدخله مباشرة عبر عضو هيئة مكتب الرئيس سعد الحريري سامر حدارة، لدعم الرفاعي.
رابعاً، إثبات المنسق العام لتيار المستقبل، رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع، عبد الإله زكريا حضوره بعدما شكل الماكينة الانتخابية للمفتي زكريا وأعلن الطلاق مع البعريني، رغم أنهما لطالما ساندا بعضهما بعضاً في كل الاستحقاقات السياسية السابقة.
خامساً، أثبتت الهيئة الناخبة رغبتها في وجود مفتٍ يتابع شؤونها وشجونها ويعمل على طرح المشاريع وتعزيز علاقاته بالخارج بهدف تأمين الدعم والتمويل اللازمين في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة.
سادساً، أكدت النتائج أن الهيئة الناخبة بعيدة كل البعد عن التصنيفات الدينية بين المذاهب الصوفية والسلفية والأشعرية، وأن هذه الشعارات لم تعد تصلح للمرحلة الحالية، وسط كل الأزمات المتراكمة. ورغم محاولة الضغط بهذا الاتجاه، إلا أن التجربة الناجحة للمفتي زكريا (عيّن للمرة الأولى في عام 2013 حتى عام 2018)، وبسبب حضوره الدائم عبر المؤسسات الإغاثية التي يرأسها، فضلاً عن قربه من الناس، جعلت المعركة محسومة منذ ساعات الصباح.
عكست انتخابات الافتاء تراجع مَوْنة البعريني على البلديات والفاعليات الدينية


بدأت المعركة، أمس، حامية مع اكتمال النصاب في العاشرة صباحاً، وإعلان رئيس الجلسة مندوب مفتي الجمهورية في عكار المحامي محمد المراد بدء العملية الانتخابية في الجلسة الثانية مع بلوغ العدد 140 ناخباً، ما عكس حماسة للاقتراع، وخصوصاً أن العمل تركز على جذب الناخبين وسط أجواء مأزومة سياسياً وعائلياً ومناطقياً. وبالرغم من النفوس المشحونة منذ أشهر، الا أن المرشحين الأساسيين (زكريا والرفاعي) تمكّنا من ضبط الأمور وتبادل الابتسامات والسلام والكلام، ونجحا أمام الكاميرا والرأي العام في إخفاء ما في القلوب. وبعد أقل من ساعتين، غادر الرفاعي بعدما لمس فريقه أن الأمور لن تكون لمصلحتهم، فيما غادر زكريا قبل إغلاق الصندوق بحوالي نصف ساعة، معطياً توجيهاته بملاقاته الى بلدة فنيدق للاحتفال، بهدف تجنب العبور في البلدات الساحلية منعاً لأيّ استفزاز بين مناصري الطرفين.
وعقب فوزه، أكد زكريا أن «الافتاء مظلة لمصالح الناس في المنطقة، وللنهوض بمصالح الجهاز الديني والأوقاف، والتلاقي مع شركائنا في هذا الوطن»، مؤكداً «أننا في زمن عصيب، زمن الشغور الرئاسي، ولكن تعويلنا هو على حكمة الناس وتجاوبهم، ويدي ممدودة للعمل والتلاقي مع الجميع».