تتداخل الأبعاد التي تحملها مناورات جيش العدو بين الجانبين المهني والسياسي بما يصعب معه الفصل بينهما. مهنياً، يحرص جيش العدو على إبقاء جنوده وضباطه على قدر من الجاهزية والاستعداد التي تفرضها طبيعة التحولات في البيئتين الإقليمية والعملياتية وما تحمله كل منهما من مخاطر تُقدر الأجهزة المختصة في كيان العدو أنها قد تنفجر في أي وقت.في المقابل، ترى قيادة جيش العدو ضرورة الحفاظ على كفاءات قتالية للتعامل مع مستويات ومفاعيل لم يسبق أن شهدها من قبل، تحديداً على الجبهة الشمالية، ومن ضمنها حصول تصعيد مفاجئ غير محسوب أو منظور من قبل الاستخبارات العسكرية، إضافة إلى تصاعد الغليان في ساحات فلسطين الثلاث (غزة والضفة والـ 48) عشية تشكيل اليمين المتطرف حكومته التي تتوعد بتنفيذ سياسات أكثر تطرفاً وعدوانية، تدرك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنها ستؤدي إلى ردود فعل فلسطينية تفرض أن تكون على قدر من الجاهزية، وتحديداً إزاء سيناريو اتساع المواجهة.
على مستوى التوظيف، يبدو أن قيادة العدو أرادت أيضاً الدخول المباشر على خط السجال الداخلي في لبنان، عبر توجيه رسائل إلى المقاومة كجزء من وسائل وأدوات الضغط، خصوصاً أن هذه المناورات أتت في أعقاب الإثارة المفتعلة لقضية مطار بيروت التي تناغم فيها السعودي والإسرائيلي وبعض الداخل اللبناني. مع ذلك، يمكن القول إن هذه الرسائل هي أقرب إلى التأثير في الرأي العام منها إلى قيادة المقاومة وأجهزتها المختصة التي تدرك محدودية خيارات العدو وضيق هامشه في المبادرة العسكرية ضد مطار بيروت أو غيره من المرافئ والبنى التحتية التي تتظلل بمعادلة الردع.
وكان جيش العدو أعلن السبت، بشكل مفاجئ، إطلاق مناورتين تدريبيتين لقواته في المنطقتين الجنوبية على الحدود مع قطاع غزة، والشمالية على الحدود مع لبنان وسوريا. واستدعى 5000 جندي من الاحتياط للمشاركة في المناورة في المنطقة الشمالية، إضافة إلى 8000 جندي من القوات النظامية المنتشرة في المنطقة. أما في المنطقة الجنوبية، فقد انطلقت مناورة في «فرقة غزة»، صباح أمس، واستمرت عدة ساعات، «بهدف رفع مستوى كفاءة وجاهزية الفرقة، وتخللتها حركة نشطة للقوات، وسُمع دوي انفجارات». مع الإشارة إلى أن المناورة على الحدود مع غزة تأتي كجزء من برنامج التدريب لعام 2022، بينما تجري مناورة المنطقة الشمالية بشكلٍ مفاجئ غير مجدول مسبقاً.
وبحسب متحدث باسم جيش العدو، فإن مناورة «شتاء دافئ 2» في المنطقة الشمالية، تهدف إلى «تحسين جاهزية وحدات الجيش الإسرائيلي للقتال في الساحة الشمالية». وانطلقت المناورة مساء السبت، وتستمر حتى يوم غد. والغرض الرئيسي منها «تعزيز النظام اللوجستي الداعم للأحداث التفجيرية والسيناريوهات المختلفة في الساحة الشمالية». ويظهر هدف المناورة واضحاً من خلال هوية من يقود التمارين، وهو رئيس قسم التكنولوجيا واللوجستيات في الجيش الإسرائيلي اللواء ميشيل جانكو. وبحسب بيان الجيش، «ستتدرب القوات على التعامل مع تفعيلها بشكل مفاجئ، في مواجهة سيناريوهات العمليات (.ت.) مع التأكيد على جاهزية النظام اللوجستي والتعاون بين وحدات الذراع البرية».
تدرك قيادة المقاومة محدودية خيارات العدو في المبادرة العسكرية ضد مطار بيروت وغيره من المرافئ والبنى التحتية


وكانت وحدة المهام الخاصة «شييطت 13» أجرت الأسبوع الماضي تدريباً واسع النطاق شاركت فيها جميع الوحدات القتالية في الذراع البحرية. وهدفت التدريبات، بحسب التقارير الإسرائيلية، إلى «محاكاة قتال واسع ومتكامل في الساحة البحرية الشمالية، حيث تم خلالها التدرب على التعاون المتعدد الأسلحة بين سفن الصواريخ وقوات سلاح الجو والفضاء». وتدرب جنود الوحدة على «مجموعة متنوعة من السيناريوهات التي قد تواجههم في الحرب المقبلة في الساحة، ابتداءً من حماية الأصول الاستراتيجية وسواحل البلاد والممرات الملاحية، إلى تزويد السفن الصاروخية بالوقود في وسط البحر».
وتأتي مناورات العدو الأخيرة في ظل تصاعد الأحداث في الضفة الغربية، حيث تجري اشتباكات يومية بين قوات العدو ومقاومين فلسطينيين. كما تسود الكيان توترات سياسية عميقة في ظل المفاوضات التي تنغمس فيها أحزاب اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلية لتشكيل الحكومة المقبلة بقيادة زعيم «الليكود» بنيامين نتنياهو.
ومن المعلوم أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تحذّر بشكل متتابع من خطورة ما قد تنتجه المفاوضات الحكومية. إذ يتوقع أن يمسك قادة اليمين المتطرف بوزارات رئيسية تتدخل في عمق عمل الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، فضلاً عن سياسات متطرفة في قضايا حساسة كالاستيطان وتهويد القدس واقتحام المسجد الأقصى، ما يرجح أن يجرّ مزيداً من عمليات المقاومة في الضفة الغربية والداخل المحتل.
من جهة أخرى، تسود أجواء من التوتر والحذر على المستوى الجبهة مع قطاع غزة، إذ تربط أجهزة أمن العدو بين ما يجري في الضفة، وقيادة المقاومة في قطاع غزة. وظهرت أكثر من مرة إشارات تدلل على إمكانية لجوء جيش العدو إلى تنفيذ اغتيالات ضد شخصيات في المقاومة في قطاع غزة، يعتقد العدو أنها تلعب دوراً في التحريض والتخطيط والتمويل على مستوى مجموعات وعمليات المقاومة في الضفة الغربية. وأمام هذه الإشارات، فقد يكون وارداً إقدام العدو على تنفيذ عمليات اغتيال، في قطاع غزة أو خارجه، على علاقة بتطورات الضفة، ما قد يفسّر المناورات الأخيرة على أنها نوع من التحسّب لأي ردود فعل سواء من لبنان وسوريا، أو من قطاع غزة.
على صعيد آخر، تقود وسائل إعلام العدو حملة تهويل على لبنان بعد بدء شركة طيران مدني إيرانية رحلات إلى مطار بيروت. إذ أبدت المنظومة الأمنية الإسرائيلية قلقها من معلومات نشرتها قناة «العربية» السعودية، أفادت بأن «طائرات إيرانية وصلت إلى مطار بيروت، ويحتمل أنها نقلت معدات عسكرية لحزب الله»، وذلك بحسب ما نقله مراسل «القناة 12» للشؤون العسكرية نير دفوري. من جهته، قال المحلل العسكري في «القناة 11» العبرية إن «إسرائيل تجد صعوبة في مهاجمة مطار بيروت. فهذا ليس مطار دمشق، وهو مرتبط باعتبارات دولية معقدة، لذلك إسرائيل في حيرة من أمرها حول ما يمكن أن تفعله لوقف هذا الاحتمال».
من جهة أخرى، أظهرت النتائج المباشرة للمناورات قلقاً في جيش الاحتلال، إذ تشير البيانات إلى نقص كبير يصل إلى ما بين 50% و60% في آلاف الأدوية وإمدادات الطوارئ والمعدات الطبية التي تحتاجها القوات البرية في أي حرب مقبلة.



قصف على السويداء وتحذير من «التعامل» مع حزب الله
استهدفت طائرات العدو الإسرائيلي، فجر أمس، موقع تل القليب في ريف السويداء جنوب سوريا. ويحتوي الموقع على مجموعة من الرادارات التابعة لسلاح الدفاع الجوي في الجيش السوري. وبحسب تقارير ميدانية، دمّر القصف بثلاثة صواريخ منظومة رادارية في الموقع. إلى ذلك، ألقت طائرات العدو منشورات في منطقة القنيطرة على الحدود مع الجولان المحتل، حذرت فيها الجيش السوري من «التعاون مع حزب الله».
وفي سياق متصل، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي تصريحات لوزير الأمن في حكومة العدو، بني غانتس، حذّر فيها سوريا من «السماح لإيران بالعمل من أراضيها». وسُجّل ليل أمس تحليق مكثّف لطائرات مسيّرة وحربية إسرائيلية، فوق الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، وتحديداً من جهة الجولان المحتلّ. كما حلّقت الطائرات الحربية الإسرائيلية مقابل السواحل اللبنانية، وسمعت أصواتها في بيروت ومنطقة الساحل.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مواقع إلكترونية تابعة لـ«المعارضة» السورية «خشية حزب الله من وقوع هجمات على مواقعه في دمشق وحمص، ونقله معدات وأسلحة إلى مواقع أخرى»، من دون تحديد أي مصدر للمعلومات المذكورة.
وأفادت وسائل إعلام العدو بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد عقد مساء أمس،اجتماعاً مع رئيس «الموساد» ومنتدى قادة الاستخبارات والمهمات الخاصة في الجهاز، وأطلعهم على التحديات التي تواجه إسرائيل.