هي الإطلالة الأولى للأمين العام الجديد للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقوش بعد انتخابه قبل ثلاثة أشهر. وهو تقصّد أن يكون لقاءً ضيقاً مع عدد قليل من الإعلاميين. بذلك، يُحاول طقوش أن يُطبّق سياسة الانفتاح التي كان أسلافه يتحدّثون عنها من دون تحويلها إلى واقع، بل كانوا، على العكس من ذلك، يتصرّفون وكأنهم ينتمون إلى تنظيمٍ سري. يُشرّع طقوش الأبواب، مبدياً اندفاعه إلى «حديث من القلب». يحاول «أبو البراء» أن يلمّح إلى أدوار كبرى لـ«الجماعة» في الشؤون المحلية، مشيراً إلى أن المكتب السياسي يُحضّر لمبادرة للمّ شمل الشارع السني، «لأن التاريخ سيُحاسب الجماعة في حال بقيت متفرّجة».

الشيخ الآتي من خلفيّة دعوية وتربوية وفقهيّة، بدا متمرّساً في الأداء السياسي وممتلكاً لقواعد اللعبة. تهرّب من الإجابة عن بعض الأسئلة بدهاء، وأجاب عن أُخرى بما يشي أنه لم يكن بعيداً من الشأن العام كما تم تصويره، بل حضّرته المؤسسات التنظيميّة جيداً قبل أن ينتقل إلى الطابق السادس في عائشة بكار ويتربّع على رأس الجماعة كأصغر أمين عام.
خلال اللقاء الذي دام أكثر من ساعة ونصف ساعة، لم يحمل طقوش قلماً أو ورقة، بل كانت طلاقة كلماته ارتجاليّة. استبق الأسئلة، وأدرك الجهة التي يريد أن يتحدّث عنها الحاضرون. قبل أن يتفوّه هؤلاء بكلمة قال: «يصوّر البعض أن الجماعة انتقلت من الضفة التركية التي يمثلها الأمين العام السابق الشيخ عزام الأيوبي إلى الضفّة الإيرانية التي أُمثّلها أنا. لكن، ألم يحصل اللقاء بين الأيوبي والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله؟». قطع الشك باليقين منذ اللحظة الأولى «أنا والأيوبي واحد. لسنا مع تركيا ولا مع إيران ولا مع قطر، نحن حزب لبناني مستقل يتّخذ قراراته بحسب المصلحة الداخلية، وفي الوقت عينه ننتمي فكرياً إلى جماعة الإخوان التي ينتمي إليها ملايين المسلمين، ولكن لا دولة أو تنظيم أو حزب يُمكن أن يُملي علينا قراراتنا»، مضيفاً: «لسنا في أي من هذه المحاور، بل إن محورنا هي مبادئنا ولا دولة تدفع لنا فلساً واحداً عكس ما يُشاع. وهناك أسرار في هذا الإطار قد أُفصح عنها يوماً».
التقط الأمين العام الجديد المسطرة من منتصفها للحفاظ على توازن «الجماعة» السياسي بقوله: «نشكر إيران على دعمها للمقاومة وتقديم أي مساعدة للشعب اللبناني تماماً كما ننتقدها على وقوفها في وجه الثورات العربية ومن بينها سوريا، كما نشكر تركيا على كثير من المواقف وننتقد استقبال رئيسها لرئيس كيان العدو وتطبيع العلاقة معه. بالتالي، قد يُقال عنّا إننا نناقض أنفسنا. لكننا منسجمون مع قناعاتنا ومبادئنا».

لقاء قريب مع حزب الله
يستخلص طقوش أن الروايات التي نُسِجت عن خلفية انتخابه كانت نتيجة أن معظم المتابعين لشؤون «الجماعة» لا يعرفونه؛ صورته راسخة في أذهان عارفيه كشيخ ملمّ بالفقه والتدريس ثم إدارة مدارس «الإيمان»، ليفاجأ هؤلاء باسمه كأمينٍ عام يعرف كيف يُدوّر الزوايا. هو الذي كان يخطب بالمصلين قبل سنوات مُهاجماً «النظام السوري على جرائمه بحق السوريين»، يتحدّث بعقلانية أكثر عن سوريا التي لا ينكر «أننا في قطيعة معها لأن نظامها بالغ في قضيّة الدم».
هذه العقلانيّة تنسحب على معظم الملفات المحليّة، وعلى رأسها العلاقة مع حزب الله التي يقول عنها طقوش إن «مداً وجزراً شاباها لكنها لم تنقطع يوماً وإن انخفض منسوبها». ويشدّد على «أننا نتفق مع حزب الله في كثير من الملفات من بينها محاربة العدو الإسرائيلي، ونختلف معه في أمور أُخرى. نحن وحزب الله نشبه بعضنا في كثير من الأمور. ورغم فائض القوة الذي يملكه، هناك ما يؤرقه كما يؤرقنا وهي الفتنة السنيّة - الشيعية».
كل حديث طقوش يؤكد أن مسار العلاقة مع الحزب سينتهج شكلاً تصاعدياً، وأنه سيكمل من حيث انتهى إليه الأيوبي. يستذكر لقاء الـ7 ساعات بين الأخير ونصرالله ليوضح عمق الحوار بين الطرفين. ويستخدم عبارة «تعزيز المشتركات» للإشارة إلى مستقبل العلاقة بينهما.
ما يُلمّح إليه طقوش أن الحوار مع حزب الله لم ينقطع، يعود ويؤكّده بقوله إن «هناك أصدقاء للطرفين يعملون على مسعى للقاء من دون تحديد المستويات»، نافياً أن يكون قد حصل أي لقاء أو اتصال مع نصرالله أو قياديين في الحزب «ومتى حصل ذلك، سنعلنه ولن نخجل به، بل نمارس قناعاتنا على رأس السطح».
يفرد طقوش مساحة كبرى في الحديث عن المقاومة. وهو ما فعله أيضاً خلال تقديم رؤيته أمام مجلس شورى الجماعة إثر انتخابه حينما قال: «أقطع وعداً بأنني سأعطي خلال ولايتي العمل المُقاوم مساحة أكبر»، ليسري حديث في حينه أنه وليد الجناح المقرب إلى حزب الله. ومع ذلك، لا يخجل الرجل بقولها علانيّة: «عداؤنا للكيان عداء ثابت ونحن مع تحقيق توازن رعب مع كيان العدو. أنا مقتنع أن عمليّة التحرير اقتربت»، نافياً أن يكون هناك أي تنسيق بين قوات الفجر والحزب، ولو أنه يشير إلى أنه مستعد للذهاب إلى أبعد نقطة بقوله «إننا سنكون رأس حربة في القضايا المركزيّة».

«نثق بحماس»
يخوض «أبو البراء» في كثير من التفاصيل بشأن العلاقة مع حماس، «فنحن أبناء مدرسة واحدة». ومع ذلك، يعتبر أن حماس لا تأخذ الجماعة إلى أي مكانٍ سياسي لا ترغب به الأخيرة. يوحي بأن تموضعها في العلاقة مع سوريا ومصر وإيران لا ينسحب على علاقة الجماعة بهذه الدول. هو لا يريد لا الدفاع عن بعض قراراتها ولا شيطنتها أيضاً على قاعدة «نعرف كيف يمكن تقديم المصالح والأولويات»، بالإضافة إلى «أننا نثق بحماس» التي ردّدها أكثر من مرة. «ولكن نحن حزب لبناني وحماس مشروع تحرير».
حاول الرجل الابتعاد عن الحديث عن التباين على مستوى قياديي الجماعة محاولاً القفز عن الأجنحة التي نبتت داخل الجماعة في بداية عهد الأيوبي، خصوصاً أنّه ينتهج أسلوباً جديداً في إصلاح ذات البيْن من خلال لقاءات يعقدها بعيداً من الإعلام مع شخصيات اختلفت سابقاً مع الأيوبي وتركت الجماعة، وهو عيّن الشيخ خضر الرشيدي نائباً له متخصصاً في شؤون المصالحات.
بالنسبة لطقوش فإنّ «الجماعة ليست أشخاصاً وإنما مؤسسات»، معتبراً أنّ «البعض يُصوّر أن النائب عماد الحوت هو الوجه المناقض لرؤيتي. أتحدى أن يجيب الحوت عن الأسئلة التي توجه إليّ بإجابات مُناقضة وإلا أستقيل من منصبي»، مشدداً على أنّ «لا اختلاف في وجهات النظر في قيادات الصف الأول والثاني».
وعن العلاقة بالأحزاب اللبنانية، يؤكد أن «لا فيتو على أحد لكن علاقتنا منوطة بما نراه لمصلحة لبنان». يصف العلاقة مع السعودية بأنها «علاقة انسيابية مع السفارة السعودية ولا منغّصات فيها»، موضحاً أن الحوت لم يلبِ دعوة السفير السعودي بعد اجتماع النواب السنة في دار الفتوى «بسبب ظرف خاص».
كما رفض الدخول في أسماء المرشحين إلى رئاسة الجمهورية، معتبراً أنه «حتى الآن لا مرشح تنطبق عليه المعايير التي تريدها الجماعة في انتخاب رئيس وفاقي يحقق الإصلاح، بمن فيهم النائب السابق سليمان فرنجية»، لافتاً إلى أن التصويت بورقة تحمل عبارة «لبنان الجديد» هو للتعبير عن حالة اعتراضية.