لم ينته العزاء بريّان ورزان صالح، رغم دفنهما يوم السبت الماضي في صيدا. المدينة وعائلة الطفلتين وأقرباؤهما أبقوا العزاء مفتوحاً حتى معرفة سبب التسمّم الذي قتلهما. فالحادثة كشفت عن هشاشة الوضع المخبري في لبنان. إذ إن نتائج فحص عيّنات الدم، التي سحبها الطبيب الشرعي عفيف خفاجة، جاءت نتيجتها من المختبر المركزي غير مطابقة لنتائج الفحوصات التي أجرتها مصلحة الترصّد الوبائي في وزارة الصحة العامة. نتائج الفحوصات الأولى تحدثت عن تسمّم غذائي (فساد في مكوّنات الأكل). وأظهرت «وجود مادتَي الكافيين والفلاجيل الناتجة من تناول الطفلتين الشاي والدواء في المنزل». بينما جزمت نتائج الفحوصات الثانية بـ«وجود بكتيريا سامة (زنك وفوسفور) سببت الوفاة السريعة».
يستغرب خفاجة التضارب الحاصل بنتائج الفحوصات. وفي حديث إلى «الأخبار» يؤكد أنّه لم يتلقّ أيّ نتائج من المختبر المركزي، كما تنصّ القوانين في مغلّف مختوم، إنما تبلغ بها من المدّعي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان. وأعرب عن تفاجئه بالنتائج المغايرة الصادرة عن وزارة الصحة، والتي علم بها أيضاً من رمضان.
وكان الأخير قد أشار على خفاجة، بعد أيام من وفاة الطفلتين، بسحب عينات جديدة من الجثتين للتوسّع بنتائج الفحوصات المتضاربة، قبل أن يعطي الإذن للأهل بدفنهما يوم السبت الماضي. وفي حال ثبوت التسمم الغذائي، يُحصر التحقيق بالشق الجنائي وتجرى ملاحقة الأسباب المادية التي أوصلت المادة السامة إلى الأكل. أما وجود الزنك والفوسفور في نتائج الفحوصات الثانية، فهذا يعني بحسب خفاجة، أن «سبب التسمّم خارجي من وجود مواد سامة من مبيدات حشرية وغيرها... وفي هذه الحالة يتوجب إجراء تحليل للدم مفصّل وسريع عن ماهية المواد السامة تلك ومصدرها».
وكانت الأدلة الجنائية قد عاينت منزل الضحيتين، وأخذت عيّنات من الأكل والمواد الغذائية، ومسحت سطوح الأثاث وأرضية المنزل. كما تمّ سحب عيّنات دم من الوالدين وجرى الاستماع إلى إفادتَيهما بشكل منفصل في مخفر صيدا. وقد سئل الوالد ما إذا كان قد قام برش البيت أو محيطه بمبيدات للحشرات أو الجرذان، فنفى ذلك وأكد أنّه كان يخاف جداً على الطفلتين، حتى إنه كان يمنعهما من تناول العصير المعلّب. أما الوالدة فقد سئلت عما إذا كانت قد استقبلت زواراً قبل حادثة التسمّم وحول ما إذا كان لديها شكوك بتدخّل خارجي.
الوعكة الصحية للطفلتين لم تكن الأولى. أصدقاء للعائلة لفتوا الى أنهما أدخلتا المستشفى قبل شهر من الوفاة لإصابتهما بحالة إسهال وتقيّؤ. وبعد شهر من شفائهما، تكرّرت الحالة قبل الوفاة بيومين إثر تناولهما عجّة البيض المطبوخة في المنزل. وقد أشار الطبيب على الأهل عبر الهاتف بإعطائهما دواء «فلاجيل» وشرب الشاي الساخن. لكن حالتهما تدهورت بشكل سريع، ونقلتا إلى المستشفى الحكومي في صيدا. بنيما أدخلت الوالدة غرفة العناية الفائقة لبضعة أيام، كما أُدخل الوالد أيضاً المستشفى لساعات.
مهما كان سبب التسمّم، فإن ريان (3 سنوات) ورزان (6 سنوات) توفّيتا ولم يتركا أبناء لوالديهما. الوالد يعمل خادماً لجامع في صيدا يقيم في منزل صغير ملاصق له محاطٍ بالبساتين.