لم يتوقف أحد كثيراً أمام البنود التي أقرّها مجلس الوزراء أمس. تعامل الجميع مع الحدث على أنه مؤشر على مسار العلاقات السياسية بين القوى المشكِّلة للحكومة.وإذا كانت مجريات أول من أمس قد أفضت إلى تفاهم أولي يعطّل نصاب الجلسة، فإن الفريق الداعم لانعقادها مارس ضغوطاً إلى جانب الاتصالات لكسر الكتلة التي أعلنت مقاطعة الجلسة، ونجح في «إقناع» وزير الصناعة ممثل حزب الطاشناق جورج بوشكيان بالحضور، فيما شكل حضور وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار مفاجأة بمعزل عن المواجهة التي تلت حضوره.
ما بعد الجلسة ليس كما قبلها على ما توحي المؤشرات السياسية بعدما نجح تحالف الرئيسين نبيه بري ونجيب وميقاتي ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية نجح في استقطاب حزب الله ما وجّه عملياً ضربة قوية إلى التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل الذي يعقد مؤتمراً صحافياً اليوم، يتوقع أن يتوجّه فيه بصورة رئيسية إلى حزب الله. وبحسب مصادر رفيعة في التيار، فإن باسيل «لن يطلع من حزب الله، وسينتظر إذا ما كان الحزب سيطلع منه»، مشيرة إلى أن جلسة أمس «خطوة قوية من الحزب في هذا الاتجاه، كما أن التمسّك بترشيح سليمان فرنجية إصرار من الحزب على تكريس الافتراق». وبحسب المصادر، فإنه «طالما أن الحزب متمسك بالمنظومة وبمساعدتها على تنفيذ أجندتها فإن التفاهم يستنفد نفسه»، مشيرة إلى «تراكم للملفات بدءاً بملف الكهرباء وملف تصويت المغتربين الذي دفع الحزب نفسه ثمنه، والتحالفات النيابية التي دفع الحزب أيضاً ثمنها، ومن ثم الضغط لتكليف ميقاتي وعدم الضغط عليه للتأليف وصولاً إلى جلسة أمس». وأعربت المصادر عن خشيتها من أن «هذا التراكم يجعل الحزب ملتزماً مساراً بعيداً من مسار التيار حتى لم يعودا يلتقيان إلا نادراً».
مصادر التيار أشارت إلى أن الطريقة التي انعقدت فيها الجلسة وما رافقها من ضغوط «تخط واضح لصلاحيات رئيس الجمهورية»، وتشكل «نموذجاً عن الترويكا التي استعادت أنفاسها بعد نهاية عهد ميشال عون وتؤذن بعودة التحالف الرباعي إلى الحياة». هذا الأمر «يتلاقى مع ما تحدّث عنه رئيس التيار عن عودة الترويكا في حال انتخاب فرنجية رئيساً ويجعله متمسكاً بموقفه أكثر». كما يفتح «مرحلة جديدة في العلاقة مع الحزب الذي سبق ان تلقّى باسيل تطمينات منه بالحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية، ترجمت بإعلان ميقاتي عدم الإقدام على خطوة مماثلة إلا بالتشاور مع كل الكتل، قبل أن ينقلب على كلامه كالعادة بدعم من حزب الله ورئيس مجلس النواب». وأكدت المصادر أن النائب هاغوب بقرادونيان وافق أول من أمس على البيان الذي صدر بالنيابة عن الوزراء التسعة، «إلا أن ضغوطاً مورست على بوشكيان وتهديدات بفتح ملفات شخصية له، بالإضافة إلى ضغوط على بقرادونيان تتعلق بنيابته، أدت إلى رضوخ الطاشناق لمطلب ميقاتي علماً أن العلاقة بينهما شبه مقطوعة». لذلك، وصل بوشكيان إلى مكتب الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية قبيل نحو ساعتين من موعد الجلسة وانتظر حتى حان موعد دخوله. ويبدو التيار متفهماً لسلوك حليفه الأرمني ويوفر له مبررات تخفيفية.
أما في ما يتعلق بحضور حجار، فقد أكدت المصادر أنه خلافاً لما أشيع عن أن باسيل كلّفه بالحضور، فقد أبلغ وزير الشؤون بعض الوزراء خلال لقاء جمعهم على تطبيق «زوم» أول من أمس بأنه سيتوجه إلى الجلسة ويحاول منع انعقادها. وبالتالي «قراره جاء فردياً وبفعل حماسة زائدة لا بقرار مركزي». ومع توافر نصاب الجلسة، دخل إلى القاعة وقاطع مكية أثناء تلاوته جدول الأعمال، وبدأ بالصراخ بأن الاجتماع مخالف للقانون، متهماً ميقاتي بفرض جدول الأعمال من دون تشاور مسبق. مقاطعة حجار لمكية أدت إلى اشتباك كلامي بينهما انضم إليه ميقاتي. فما كان من حجار إلا أن اقترب من رئيس الحكومة قبل أن يعترضه الوزيران مصطفى بيرم ومحمد مرتضى لفضّ الإشكال.
مصادر في الحزب التقدمي الاشتراكي اعتبرت انعقاد الجلسة «خطوة متقدمة في سياق قطع الطريق على تعطيل المؤسسات الذي يريد باسيل أن يكرسه على قاعدة أن الفراغ في الرئاسة يعني الفراغ في الحكومة ومجلس النواب». ورأت أن «حزب الله بحضوره الجلسة لم يغط ميقاتي بل على العكس وجه له رسالة بأنه لا يستطيع أن يدير البلاد وحده ولولا موقف الحزب لما انعقدت الجلسة». ولفتت إلى انعكاس ما حصل على مشهد الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً إذا ما قرر التيار الوطني الحر الرد على ما حصل بتأمين النصاب في الدورة الثانية أو استبدال الورقة البيضاء باسم مرشح مما قد يصعّد الموقف مع حزب الله وهو ما ستكون له تداعيات سلبية على مجمل المشهد السياسي في البلاد.