لم يكد يمر شهر على الفراغ الرئاسي حتى لاح احتمال دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجلس الوزراء إلى الانعقاد. الدعوة التي ربطت بملفات استشفائية وإنمائية ضرورية، وضعت القوى المسيحية والمعارضة أمام منعطف أساسي في التعامل مع الفراغ الرئاسي في رفض الدعوة إلى اجتماع الحكومة كما تشريع الضرورة في مجلس النواب. لكن الكرة ليست في ملعب المسيحيين فحسب.فالقوى السنية على اختلافها يفترض أن يكون لها موقف من تحول حكومة تصريف أعمال إلى حكومة كاملة الصلاحيات. ففي ذلك تكريس لعرف لا يمكن أن يتحول واقعاً لأنه بداية يستهدف الموقع الرئاسي، والقوى السنية ولا سيما رؤساء الحكومات السابقون كانوا من المدافعين عن صلاحيات رئاسة الحكومة وعلى موقع رئاسة الجمهورية. وأي تخط للحد الأدنى من التفاهم بين المسيحيين والسنة على موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء هو تجاوز لما تضمنه اتفاق الطائف، ويعني كذلك تكريساً للفراغ الرئاسي بموافقة سنية تساهم أكثر في تغييب الدور المسيحي عن السلطة التنفيذية. والنقطة الثانية هي أن التسليم بانعقاد الحكومة في غياب رئيس الجمهورية سيجعل من ذلك سابقة، يمكن أن تتكرر مع أي رئيس حكومة، قد يكون اليوم ميقاتي، لكنه قد يكون مرة أخرى أي شخصية سنية تأتي من غير رضى الغالبية السنية، وتكون من الخط المعارض لها كلياً. والمرجعيات السنية تدرك معنى ذلك تماماً.
أما بالنسبة إلى القوى المسيحية فهي على اختلافها تتقاطع حول نقطة أساسية، هي الفرق الشاسع بين التعامل مع حكومة تصريف أعمال وحلولها محل رئيس الجمهورية وبين انعقاد مجلس الوزراء. وقف التيار الوطني الحر بقوة ضد حكومة تصريف الأعمال وتسلمها مهام رئيس الجمهورية وتعامل مع هذا الاحتمال بحدة ولو أن الخلفية كانت تشكيل حكومة جديدة تكون له فيها حصة معبرة. في حين تصرفت القوى المسيحية الأخرى بغضّ نظر، طالما أن التيار الوطني الحر لن يحصل في الحكومة الجديدة على حصة وازنة كما كان يرغب النائب جبران باسيل. ولم تمانع بكركي في تغطية مبدأ حكومة تصريف أعمال فقط من أجل فرض تسريع الحوار لانتخاب رئيس جديد. لكن موقف الكتل المسيحية في مجلس النواب لدى تلاوة رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون كان واضحاً ودقيقاً في تحديد صلاحيات حكومة تصريف الأعمال وتضييق هامشها إلى الحد الضروري والضروري جداً.
وما إن أعطى رئيس حكومة تصريف الأعمال إشارة أولى مباشرة حول الدعوة إلى اجتماع الحكومة، حتى بدأت الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، انطلاقاً من نقطة تقاطع أساسية. فمواقف الكتل المسيحية الأساسية، التيار الوطني والقوات والكتائب، ومعها مستقلون ومعارضون، لا يمكن إلا أن يكون واحداً، تجاه أمرين (تشريع الضرورة وعقد جلسة للحكومة). وهذه القوى كانت لا تزال تتمسك بمنع التشريع في الوقت الراهن: التيار بطبيعة الحال لموقفه من ميقاتي ومبدأ تصريف الأعمال، ومن ثم القوات التي تؤكد أن موقفها ليس «رمادياً» نسبة إلى موقفها السابق من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال. وسيكون لها موقف معلن حين يحدد أهداف الجلسة. علماً أن النائب جورج عدوان حدد بصراحة مفهوم صلاحية حكومة تصريف الأعمال، والقوات لا يمكن أن توافق على انعقاد الجلسة، إلا إذا كان جدول الأعمال ضرورياً بالحد الأقصى. هو الموقف نفسه للكتائب ولمستقلين بعدم جواز عقد جلسة حكومية. علماً أن الكتل السياسية تقع تحت ضغط قوى اقتصادية ومالية من أجل تبرير عقد جلسة الحكومة.
موقف الكتل المسيحية لا يمكن إلا أن يكون واحداً تجاه تشريع الضرورة وعقد جلسة للحكومة


وإذا كان الكل ينتظر تحديد جدول الأعمال لمعرفة ما هو الطارئ والضروري الذي يستلزم عقد جلسة بهذه السرعة، ومن سيحضر من الوزراء بمن في ذلك المحسوبون على العهد السابق والتيار الوطني الحر، فإن هناك معيارين بالنسبة إلى معارضي عقد جلسة للحكومة، هو أن حكومة تصريف الأعمال لم تولد البارحة، بل تجاوز عمرها سنة وشهرين. وما لم تقدر على معالجته خلال هذه المدة هل ستعالجه جلسة يتيمة، مهما كانت التبريرات، وهناك كمية من الملفات العالقة منذ سنة وأكثر لم تعالجها حكومة ميقاتي؟ أم أن الجلسة الأولى ستمهد لعقد جلسات دورية تحت مسميات طارئة. إضافة إلى أن اللجان الوزارية قادرة على حل المشكلات اليومية مهما كانت الحاجة ملحة إليها. أما المعيار الثاني فهو ميثاقي مرة أخرى، لأن السير بعقد جلسات للحكومة يعني الإمعان في استبعاد القوى المسيحية ورأيها وموقفها بما في ذلك غير الممثلة في الحكومة، ويساهم أكثر في ترسيخ فكرة تجاهل القوى السياسية الأخرى موقع رئاسة الجمهورية وتحويل السلطة التنفيذية إلى يد رئيس الحكومة ولو كان رئيس حكومة تصريف أعمال بالتنسيق الكامل مع الثنائي الشيعي الذي يُنتظر حقيقة موقفه من المشاركة أو عدمها في الجلسة طبقاً للتلميحات التي سبقت انتهاء العهد.
لكن تبقى العبرة في الخطوات العملية التي ستتخذها القوى المعترضة لمنع انعقاد الجلسة، أم أنها ستلجأ إلى المهادنة ويتكرس فعلياً تشريع الضرورة وجلسات مجلس الوزراء للضرورة.