أمس، حاول المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان التراجع عن المذكرة التي عمّمها على قطعاته الأمنية وأعطاها بموجبها حق تنفيذ مهام الضابطة العدلية عند تعذّر الاتصال بالنيابات العامّة أو تمنّعها عن إعطاء إشارة قضائيّة. التراجع كان خجولاً، لكن جرأته كانت بإرسائه نظريّة المفاضلة بين الأمن والقانون، والإشارة إلى أنّ من يتحدّث عن المخالفات القانونيّة التي يرتكبها هو كمن يمسّ بالأمن، محاولاً استخدام سياسة كم الأفواه بذريعة الحفاظ على الاستقرار!بالشّكل، ترك عثمان مديريّته وتوجّه مباشرةً إلى مكتب النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات في قصر العدل، علماً أن «الجنرال» جرّب الحفاظ على هيبته حينما قال إن «هذه الزيارة جاءت بناء لطلبي»، فيما العارفون يقولون عكس ذلك.
كابر عثمان في الاعتراف بخطيئته القانونيّة فكانت النتيجة خلط حابل المواد القانونيّة بالنابل. فهو أشار إلى أنّ «فكرة التوقيف الاحتياطي في الجرم المشهود تستند إلى نص المادة 46 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أنه ينتقل الضابط العدلي إلى مكان الجريمة المشهودة ويلقي القبض على المشتبه فيهم». لكن هذه نصف الحقيقة واجتزاء للنصوص القانونيّة. إذ إنه لم يكمل المادّة التي تنص أيضاً على أنّه «يقبض على المشتبه فيه ويحقق في الجنحة تحت إشراف النائب العام. وللنائب العام توقيف المدعى عليه».
استعرض الرجل مواد قانونيّة وأغفل أُخرى كالمواد 46 و42 والفقرة 2 من المادة 41 وكلها تتحدث عن الجريمة المشهودة التي خصّصها في مذكّرته، ضارباً بعرض الحائط النصوص القانونيّة التي تُفرّق بين إلقاء القبض (Garde a vue) والتوقيف.
أما الأفدح فهو محاولته الإيحاء بأن الضباط والعسكريين هم الضابط العدلي، علماً أن المادة 38 واضحة: «يقوم بوظائف الضابطة العدلية تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز النواب العامون والمحامون العامون». في حين أنّ الضباط الأمنيين هم بمثابة مساعدي الضابطة العدليّة!
ما زاد الطين بلة في كلام عثمان قوله إنّ لديه «استشارة من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل تؤكد وجوب أن تتخذ قوى الأمن الإجراءات اللازمة عند وقوع الجريمة المشهودة».
وبعد أقل من ساعة على كلامه، تم تسريب صورة رسميّة عن جواب الهيئة عن سؤاله بشأن الإجراءات التي يجب على المديريّة اتباعها في حال تمنّع النيابة العامة عن إعطاء إشارة قضائية، لتُشدّد على أنّ «الإشكاليّة الناشئة هي تعذر التواصل مع النيابة العامّة المختصّة بسبب الاعتكاف القضائي إنّما هي إشكاليّة واقعة مستجدة يجب أن تُعالجها حصراً التعاميم التي يصدرها النائب العام التمييزي في هذا الشأن، باعتبار أنّ هذا الأخير هو رئيس الضابطة العدليّة كلّها»، مذكّرةً بأن «مسألة اتخاذ الإجراء أو القرار الملائم في شأن استمرار التوقيف من عدمه هي صلاحيّة لصيقة بالنيابة العامة، إذ إن القضاء (...) وحده ضامن الحقوق وحامي الحريات».
بشكل أوضح، فإنّ جواب الهيئة حاسم بعدم قانونيّة مذكّرة عثمان، وذلك عكس ما صرّح به، علماً أنّه لم يأتِ على ذكر المذكّرة التي كان عويدات قد عمّمها قبل شهرين وتطلب من القطعات الأمنية التواصل مع أحد المحاميين العامين التمييزيين القاضيين غسان خوري وصبّوح سليمان.

القضاة: حقّنا لم يصلنا بعد
في المقابل، لا يهتم القضاة كثيراً ما إذا كان عويدات قد استدعى عثمان أم أن الأخير طلب موعداً منه، باعتبار أنّ الحالتين تؤكّدان أن المدير العام للأمن الداخلي ارتكب «معصيةً قانونيّة» وجاء لتوضيحها.
في حين أنّ المتابعين يؤكّدون أن زيارة عثمان هي لحفظ ماء وجهه استباقاً لقرارٍ قد يصدر عن عويدات لإبطال المذكّرة. إذ إنّ القضاة يشدّدون على أنّ «حقّنا لم يصلنا بعد، خصوصاً أن المذكّرة ما زالت حيّز التنفيذ».
القضاة يترقبون موقف عويدات وجواب هيئة التشريع حاسم بعدم قانونيّة مذكّرة عثمان


يعوّل القضاة على حسم عويدات الذي «لا يقبل بالتجاوزات التي يقوم بها عثمان الذي يُعد متمرّداً على السلطة القضائية، ولم يسبق أن تمرّد رئيس جهاز أمني على السلطة القضائية كما يفعل». ولذلك، ما زالوا بحالة ترقّب لما سيصدر عن عويدات بصفته رئيس الضابطة العدليّة من مذكّرة توقف العمل بمذكّرة عثمان أو أن يقوم الأخير بتعميم مذكّرة أُخرى تُبطل العمل بالأولى وفقاً لمبدأ توازي الصيغ (أي إبطال المذكّرة بمذكّرة).
بالنسبة لهم، فإن ما قاله عثمان على باب قصر العدل غير منطقي ويجافي الحقيقة.
وعلمت «الأخبار» أن جمعيات حقوقيّة بصدد التقدّم بإخبار ضد عثمان إلى النيابة العامّة التمييزية، يتضمّن ارتكاب الأخير في مذكّرته جنايتين يُعاقب عليهما القانون بالأشغال الشاقة والحبس سنة إلى 3 سنوات، ووردتا في المادتين 367 (حجز غير شرعي للحريّة) و368 (استبقاء شخص من دون مذكّرة توقيف).
وفي سياق متصل، تقدّم النائب ملحم خلف بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار عثمان بشأن رفع رسوم الاستحصال على سجل عدلي.