«الوضع ما بينحمل وما في دولة توقف الحرامية. منتركهم يسرحوا ويمرحوا؟ خليهم عبرة لغيرهم»، يقول طارق، أحد سكان الشياح، والذي كان هو نفسه ضحية سرقة دراجته النارية. يشير إلى أن سعر أي دراجة نارية لا يقل عن 400 دولار، وهي وسيلة التنقل الوحيدة لعدد كبير من الشبان، وحتى النساء، بعد ارتفاع أسعار المحروقات وتعرفة المواصلات. «لمّا ينسرق الموتو كيف بدك نعيش؟ طريقنا الوحيد للتنقل لنوصل على أشغالنا وما حدا يقدر يجبلك حقك. شو متوقع تكون ردة فعلنا؟». عدم قدرة الضابطة العدلية على إعادة دراجته النارية المسروقة فاقم نظرته السلبية إلى نظام العدالة: «إذا بشوفه ما بقدر قِلُه الله يسامحك لأن خربطلي حياتي، وما بقدر كذب وقول إنه ما رح أضربه لأن بيستاهل». حال طارق كحال العديدين ممّن تزداد الكراهية في نفوسهم نتيجة غياب مبدأ المحاسبة والملاحقة القانونية.
(أنجل بوليغان ــ المكسيك)

حادثة الشياح ليست الوحيدة. في 20 أيلول 2022، أوقف أهالي منطقة وادي الزينة شابين اتهموهما بمحاولة سرقة دراجات نارية. يومها انتشر فيديو على موقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه المتهمان مربوطين إلى عمود كهربائي، فيما تسيل دماء منهما، ما يشير إلى تعرضهما للضرب.
في حادثةٍ أخرى، شديدة الخطورة، وقعت عام 2010، تمكن أهالي بلدة كترمايا في إقليم الخروب من انتزاع متهم بارتكاب جريمة قتل من أيدي العناصر الأمنية أثناء تمثيله للجريمة، وتم إعدامه على الفور وتعليق جثته على عمود في ساحة البلدة (راجع الأخبار: «جريمة كترمايا: طلب الإعدام لمحرِّضة القاتل»).

استيفاء الحق جريمة
القاضي وحده هو الجهة التي تصدر الأحكام وتنزل العقوبة التي تتناسب مع الفعل الجرمي المرتكب. وهو من يتولّى حل النزاعات بين الأطراف. وللسلطة القضائية، فقط، حق ملاحقة مرتكبي الجرائم والمساهمين فيها وأخذ التدابير اللازمة في حقهم.
فيما الأفراد الذين قد تقع أمامهم جريمة مشهودة، فيفترض أن يكون تدخلهم في إطار إيقاف الجريمة وتسليم المتهم إلى القوى الأمنية فقط.
أما استيفاء الحق بالذات فهو جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات اللبناني بموجب المادة 429 قانون عقوبات. وتشدد العقوبة إذا تم استيفاء الحق بواسطة العنف على الأشخاص أو باللجوء إلى إكراه معنوي من غرامة مالية لا تتجاوز 200,000 ل.ل. إلى الحبس ستة أشهر على الأكثر فضلاً عن الغرامة المحددة سابقاً. وتشدد عقوبة استيفاء الحق بالذات إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا استعمل العنف أو الإكراه من قبل شخص مسلح أو جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ولو غير مسلحين (مادة 430 قانون العقوبات اللبناني). أي كما في حالة أحداث شارع الجمّال وبلدتي وادي الزينه وكترمايا. أما أفعال أهالي تلك البلدات فلا تقتصر ملاحقتهم فقط على جرم استيفاء الحق بل أيضاً على جرم الإيذاء المقصود (المادة 554 من قانون العقوبات) والقدح والذم (المادة 582 من قانون العقوبات والمادة 584 من قانون العقوبات) وجريمة القتل كقتل أهالي كترمايا للمشتبه به (مادة 547 من قانون العقوبات اللبناني).

الضعيف يأكل الأضعف
عناصر عديدة قد تفسر ظاهرة استيفاء الحق بالذات. بحسب البروفسورة وأستاذة العلوم النفسية الاجتماعية في الجامعة اللبنانية أديبة حمدان، «تطغى اليوم ظاهرة خطيرة بين المواطنين وهي ظاهرة تعدّي القوي على الضعيف». والضعيف غالباً ما يكون من اللاجئين. فغياب مبدأ محاسبة المسؤولين والسياسيين والأثرياء على أفعالهم الجرمية المختلفة، يدفع المواطن إلى ارتكاب جرائم أخرى من دون محاسبة. ومع اعتكاف السلطة القضائية وتراجع الضابطة العدلية في بسط سلطتها والحفاظ على الأمن، تم خلق أجواء عامة من الفوضى تسمح للمواطن بالتمادي باستعمال القوة على الآخر، ومنهم اللاجئون والعمال الأجانب الذين يشكلون الحلقة الأضعف. و«إذا غلطوا بحقهم ما حدا رح يحاسبهم لأنهم لاجئون ما حدا بيسأل عنهم». تضيف حمدان أن «المستوى الأخلاقي العام في انحدار مما يعزز انتشار هذه الظاهرة ويفاقمها. فالمواطن الذي يعاني من العنف (المادي والمعنوي) نتيجة الأزمة الاقتصادية سيبحث عن ممارسة العنف على الآخرين الأضعف منه. ومع انتشار الجرائم في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية ترتفع نسبة اعتداء المواطن على الآخر».
تشدد عقوبة استيفاء الحق بالذات إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا استعمل العنف أو الإكراه من قِبل شخص مسلح أو جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ولو غير مسلحين


وتلفت إلى أنه في علم النفس يبحث الضعيف عن فرصة لإثبات نفسه عبر القوة. المهمشون اجتماعياً والمنبوذون من محيطهم الذين حرموا من الدراسة ولم يتم تأمين أي فرصة عمل لهم، سيبحثون عن طريقة لتعويض إحباطهم وإنشاء دور فعّال لأنفسهم في المجتمع، «ليكونوا قادرين يعملوا شي» كتحقيق الأمن ومحاسبة المجرمين عبر إلقاء القبض عليهم ومعاقبتهم. «هي طريقة تعبير عن أنفسهم عبر إثبات وجودهم في المجتمع. يخلقون لأنفسهم مكاناً للتعويض عن احباطهم من العنف المادي والمعنوي الذي يتعرضون له». وتشير حمدان أن نبذهم من قِبل المجتمع يسفر عن فرض أنفسهم كباقي المتعلمين والمثقفين عبر الإقدام على أفعالهم المخالفة للقانون، الأمر الذي يعزز ثقتهم بأنفسهم.

إلى شريعة الغاب
في ظل اعتكاف القضاة واكتظاظ السجون البعيدة كل البعد عن وظيفتها الأساسية بالإصلاح وإعادة التأهيل وحتى الردع، يُقْدِمُ العديد من المواطنين على استيفاء الحق بذاتهم. ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل يتجاوزون استرجاع حقهم إلى التعدي على حقوق الغير. الاعتداء الجسدي والمعنوي، الإهانات العنصرية والطائفية، تعليق الآخرين على الأعمدة. شريعة الغاب تحكم لبنان. لكن هل هي فعلاً ما يريده المواطن؟ في شريعة الغاب الأقوى هو الذي يحكم.
فماذا لو افترضنا أن قام أحد باستيفاء حقه من آخر بالاعتداء عليه وإذلاله، ليتبيّن بعد ذلك أن المعتدى عليه من عائلة أو عشيرة ذات نفوذ ردّت على هذا الاعتداء بالقوة والسلاح، فهل تم بذلك إحقاق الحق والانصاف؟ هل شريعة الغاب هي الحل؟ أم أنّها دائرة من العنف والقتل التي لا تنتهي؟ ليست الضابطة العدلية والسلطة القضائية المسؤولين الوحيدين عن حماية المجتمع، بل تقع هذه المسؤولية على المجتمع ذاته. فرغم الظروف المعيشية الصعبة والغضب الذي يتراكم في صدور المواطنين، يبقى اللجوء إلى القضاء وقوى إنفاذ القانون لإحقاق الحق، السبيل الوحيد للوصول إلى العدل والانصاف.