يشدّد نقيب المحامين ناضر كسبار على أهمية المعونة القضائية ودورها الكبير في تحقيق العدالة الاجتماعية، فهي «تحمي حق الدفاع لكل من يحتاجها من اللبنانيين ومن غير اللبنانيين المقيمين في لبنان أو اللاجئين إليه، كما توفر الظروف لمحاكمة عادلة، خصوصاً لمن يمنعهم وضعهم الاجتماعي من الحصول على حقوقهم الأساسية أمام القضاء. وتعمل نقابة المحامين في بيروت، من خلال لجنة المعونة القضائية، على متابعة الطلبات، وتكليف محامين للتوكل عن هؤلاء، وتتحمل النقابة كافة التكاليف والأعباء». ولفت إلى أن عدد طلبات المعونة القضائية هذا العام وصل إلى «2037 طلباً توزّعت على لبنانيين وسوريين ومن جنسيات أخرى». ويضيف: «لا شك في أن الظروف الحالية في لبنان زادت الحاجة إلى المعونة القضائية، وتستمر النقابة في تقديم هذه المعونة لمن يحتاجها»، مشيراً إلى أن «المحامين الذين يتعاونون مع لجنة المعونة القضائية، وهم من ذوي الخبرة والكفاءة، يعملون تحت ضغوطات عديدة. فقد كان هؤلاء سابقاً يتقاضون مبلغ 400 دولار (وفق سعر الصرف الرسمي) عن كل ملف. والبحث جار حول آلية لتحسين هذا المبلغ مع الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار».
وعن وجود مساعدات تدعم عمل لجنة المعونة القضائية، يؤكد كسبار أن «أحداً لم يتبرع بشيء في هذا الشأن، على الأقل خلال ولايتي كنقيب».

لجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين
أُنشئت لجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين في بيروت عام 1991، وهي تضم محامين متطوعين. يشرح رئيس لجنة الإعلام والتثقيف في اللجنة المحامي علي مشيمش لـ«القوس» أن اللجنة تعمل على «تأمين محامين للدفاع عن طالبي المعونة أمام المحاكم والمراجع المختصة ممن يستحيل عليهم توكيل محام بسبب ضيقهم أو عسرهم المادي، وذلك دون أي كلفة تترتب على هؤلاء الأشخاص، إذ تتحمل نقابة المحامين في بيروت كامل كلفة هذه الخدمة».
تجتمع اللجنة في مركزها المستحدث، منذ عام 2014، في مبنى نقابة المحامين في قصر العدل في بيروت، لدرس طلبات المعونة القضائية الواردة من المراجع القضائية وطلبات المساعدة المقدمة من المتقاضين مباشرة أو بواسطة ذويهم، والتقرير في شأنها واقتراح محامين يكلفهم نقيب المحامين في بيروت متابعة هذه الطلبات. كما تتولى اللجنة متابعة أداء المحامين المتخلفين، وكل ما من شأنه تعزيز إمكانيات تأمين حق الدفاع والحصول على محاكمة عادلة أمام المحاكم والمراجع المختصة، ورفع مستوى الخدمات القانونية المقدمة ذات الصلة.
بحسب مشيمش، تتلقى لجنة المعونة القضائية طلبات المعونة من ثلاثة مصادر أساسية هي: المحاكم بكافة اختصاصاتها وأنواعها وجميع درجاتها، قضاة التحقيق وآمرو السجون.
تُعدّ المحاكم المصدر الأول في الدعاوى المدنية. بعد استحصال طالب المعونة من المحاكم الإبتدائية المدنية المختصة في كل محافظة على قرار بمنح المعونة القضائية، ترسل نسخة عنه إلى نقابة المحامين لتعيين محام لتمثيل طالب المعونة ومتابعة مصالحه في دعاوى محددة أمام المرجع الناظر.
وتصدر قرارات منح المعونة القضائية في الدعاوى أمام المحاكم الإبتدائية والاستئناف والتمييز، ودوائر التنفيذ والمحاكم الروحية والشرعية، وأمام القضاء الإداري، عن هذه المحاكم نفسها الناظرة في النزاع، معتمدة الشروط عينها المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات المدنية لمنح المعونة، وهي ترسل نسخاً عن قرارات منح المعونة الصادرة عنها إلى نقابة المحامين لتعيين محام في هذه الدعاوى.
وفي الدعاوى الجزائية، تتلقى اللجنة طلبات المعونة من محاكم الجنايات في كل دعوى تنظرها، لتكليف محام للدفاع عن كل من لا يستطع توكيل محام للدفاع عنه، من دون أي شروط إضافية، فتوجه المحكمة طلباً لنقيب المحامين لتعيين محام للدفاع عن المتهم أو تقوم المحكمة نفسها مباشرة بتعيين محام.
وفي ما يتعلق بقضاة التحقيق، يُلاحظ قلّة عدد طلبات المعونة القضائية الواردة إلى اللجنة من دوائر التحقيق في جميع المحافظات باستثناء الشمال، رغم أن المادتين 76 و78 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وضعتا لتأمين حقوق الدفاع للمدعى عليه إبان التحقيق الإبتدائي.
أما بالنسبة إلى طلبات المعونة القضائية الواردة من السجون وأماكن التوقيف، فهذا المصدر بحسب مشيمش «شبه مشلول. إذ لا طلبات تذكر ترد من آمري السجون حيث يوجد موقوفون احتياطياً، ورغم أن عدداً كبيراً من هؤلاء يمنعهم وضعهم المادي من توكيل محامين للدفاع عنهم ومتابعة ملفاتهم القضائية، ومعظمهم يقبعون في أماكن توقيفهم لفترات طويلة قبل تحريك ملفاتهم القضائية، وبعضهم يقضي ما يزيد على مدة العقوبة التي يمكن أن تصدر بحقه، فيما هناك آخرون يمكن أن تصدر قرارات إخلاء سبيل بحقهم، بحسب حالاتهم، لكن انعدام الإمكانيات المادية يمنعهم من الوصول إلى هذا الحق».

المعونة في القضايا الجزائية والمدنية
بحسب التشريع اللبناني، ترتبط إجراءات المعونة القضائية في الدعاوى الجزائية بحرية الشخص، بغض النظر عمّا إذا كان معسراً أم لا. وقد تضمّن قانون أصول المحاكمات الجزائية، مواد تتعلق بتعيين محام للمدعى عليهم الموقوفين وغيرهم لدى قضاة التحقيق وقضاة الحكم، منها:
-"إذا تعذّر على المدعى عليه تكليف محام فيعيّن له قاضي التحقيق محامياً أو يعهد بتعيينه إلى نقيب المحامين" (المادة 78)
-"إذا لم يكن قد عيّن محامياً فعلى الرئيس أو المستشار المنتدب أن يطلب من نقيب المحامين تعيين محام يتولى الدفاع عنه في خلال أربع وعشرين ساعة من وقت إبلاغه أو أن يتولى تعيينه بنفسه" (المادة 238). أو يتم تكليف المحامي مباشرة بقرار صادر عن القضاء الجزائي العادي أو الاستثنائي كقضاء الأحداث مثلاً.
-"لا تجري المحاكمة في غياب محامي المتهم"، "إذا أصر المتهم على رفض تكليف أي محام للدفاع عنه فتجري محاكمته في هذه الحالة دون محام" (المادة 251). باستثناء الحدث الذي أولى قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر 2002/422 إلزامية وجود محام له في المحاكمات.
كما تمنح المعونة القضائية للمدعي الشخصي في الدعاوى الجزائية، إذا لم يتمكن من توكيل محام، حيث نصّت المادة 240: "يلزم المدعي الشخصي أمام محكمة الجنايات بتوكيل محام للدفاع عنه".
أما المعونة القضائية في الدعاوى المدنية فتمنح لأي شخص طبيعي أو معنوي في كافة أنواع الدعاوى المدنية والروحية والشرعية، كما في الدعاوى أمام القضاء الإداري، كمثل الدعاوى المالية، العقارية أو تلك المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية وغيرها من القضايا.

تكليف المحامين
يتعاون مع لجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين في بيروت نحو 500 محام ومحامية، يتولون الدفاع أو الإدعاء عن أي شخص يحتاج للمعونة القضائية بعد قبول طلبه من قبل اللجنة. ويلفت المحامي مشيمش إلى «وجود طلبات من محامين يحددون فيها نوع القضايا التي يرغبون بالتكليف فيها سواء مدنية أو جزائية أو تجارية، وتعمل اللجنة على تكليفهم في الدعاوى بناء لذلك».
وعمّا يتردد عن أن غالبية من يتولون قضايا المعونة القضائية من المحامين المتدرجين، يلفت إلى أن هذا «كلام غير دقيق. فاللجنة تكلف متدرجين وغير متدرجين. هناك محامون يفضلون العمل بالمعونة القضائية وآخرون لا يحبّذون ذلك. وهذا يعود لهم».
بلغ عدد طلبات المعونة القضائية هذا العام 2037 طلباً توزعت على لبنانيين وسوريين ومن جنسيات أخرى


وتلفت المحامية مريم حمدان إلى أن «عدداً من المتدرجين يستفيدون من تكليفهم من قبل لجنة المعونة القضائية خلال فترة تدرجهم. إلّا أن هناك دعاوى وقضايا تتطلب خبرة لا سيما في القضايا الجنائية، وعادة يتولاها محامون لهم خبرتهم في هذا المجال، ولا يمكن حصر من يعمل باللجنة بالمتدرجين». وعن تجربتها كعضو سابق في لجنة المعونة القضائية، تؤكد «أهمية المعونة القضائية كونها توفر لعدد من الأشخاص فرصة للدفاع عن أنفسهم رغم أوضاعهم الصعبة». وتلفت إلى أنه «في محاكم الجنايات يمكن للمتهم الدفاع عن نفسه. أما في المحاكم العسكرية فينبغي حضور محام مع أي متهم، وفي هذه الحالة تكون المعونة القضائية مهمة جداً».
وحول تباطؤ بعض المحامين في متابعة الملفات الموكلة إليهم من اللجنة، يؤكد مشيمش «وجود رقابة ومتابعة منذ لحظة التكليف حتى إصدار الحكم. فالمحامي الذي يعمل بجد ويقوم بواجباته نكلفه من جديد، أما من يماطل فلا نكرر التجربة معه، علماً أن على المحامي أن يقدم تقريراً مفصلاً عن مجريات الملف وما قام به من عمل خلال سير الدعوى، ووفق المعطيات الموجودة في التقرير، يتم تقييم عمله واستمرار التعاون معه».



30
تتحدث المحامية لينا معلوف عن تجربة عمرها 30 عاماً مع المعونة القضائية، بدأت منذ بداية عملها في مهنة المحاماة. وتؤكد أن هذه التجربة أتاحت لها الولوج في قضايا جنائية في مجتمع يرى أن المحامي الرجل أكثر كفاءة من المرأة في قضايا القتل وغيرها من القضايا الجنائية. دخلت معلوف، وهي المتخصصة في القضايا المدنية، إلى حرم المحاكم الجنائية من بوابة المعونة القضائية، وترى في هذه التجربة الكثير من الخبرة للمحامي خاصة مع تنوّع القضايا وتعددها.


ببلاش؟
هناك شرطان لمنح المعونة القضائية في القانون اللبناني: الأول هو عدم تمكن طالب المعونة من دفع نفقات المحاكمة وعليه إثبات عجزه في ذلك. والثاني أن يكون طلب المستدعي مبنياً على أسس قانونية، أي أن يكون جدياً في طلبه.
يعفي قرار القاضي بمنح المعونة القضائية طالب المعونة من نفقات ورسوم المحاكمة كلياً أو جزئياً، وترسل نسخة طبق الأصل عن قرار المعونة لنقابة المحامين لتعيين محام مجاناً لتمثيل المتهم وللدفاع عن مصالحه أمام القضاء، ويمنع على المحامي أن يتقاضى أتعابه تحت طائلة الملاحقة المسلكية.