يتكئ وليد جنبلاط على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، لإثبات أن عهد «الثنائية الدرزيّة» ولّى إلى غير رجعة. لذلك، يعتمد «بيك المختارة» أداء تهميشياً - إلغائياً للقضاء على أحلام خلدة والجاهليّة في إمكانيّة الحصول على منصب درزي واحد، على قاعدة أن لا وئام وهاب نجح في اقتناص مقعد نيابي ولا طلال إرسلان تمكّن من حفظ رأسه خلال المعركة.أولى البوادر كانت مطالبته بانتزاع المقعد الوزاري من إرسلان، وثانيتها المعركة المفتوحة على منصب قائد وحدة الشرطة القضائيّة في المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي مع إحالة العميد ماهر الحلبي على التقاعد مساء الجمعة. علماً أنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يعتبر نفسه «الوكيل الشرعي» عن هذا المنصب وعن رئاسة الأركان في الجيش باعتبارهما أعلى منصبين درزيين في المؤسسات العسكرية. ولأنّ الرجل يريد «حقه الشرعي»، أطاح بالاتفاق الذي جرى عام 2020 عندما فرضت عليه موازين القوى السياسية قبول تعيين الحلبي قائداً للشرطة القضائية بالاتفاق مع إرسلان ووهاب والمسؤولين عن الملف في حينه. يومها، بقي المنصب شاغراً 3 أشهر، قبل أن يصدر وزير الداخلية السابق محمد فهمي وبالتنسيق مع رئيس الحكومة حسّان دياب مرسوم تعيين الحلبي رغم «فيتو المختارة».
وهذا ما لن يتكرر اليوم. إذ إنّ وزير الداخلية بسام المولوي لن يكسر كلمة جنبلاط، خصوصاً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لن يسمح بتمرير المرسوم من دون رضا المختارة. وهو ما يستقوي به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يريد إسقاط كلّ الأعراف العسكريّة بتعيين العقيد سامر البعيني خلفاً للحلبي، ما يثير نقمة داخل المديرية. إذ إنّ البعيني ليس من بين الضباط الدروز الأعلى رتبة، ويعني تعيينه الإطاحة بكثير من الضباط من رؤساء الأقسام ومن هم أقل منهم درجة، كما يتطلّب إجراء مناقلات لعدد كبير من الضباط لكي لا يكونوا تحت إمرة ضابط أدنى منهم رتبةً.
هذه الاعتبارات لا تعني كثيراً لجنبلاط أمام الولاء السياسي. وهو فعلها سابقاً عام 2011 بتعيين العقيد ناجي المصري قائداً للشرطة القضائية على حساب الضابط الأعلى رتبة العميد منير شعبان بسبب قرابة عائلية تربط الأخير بوهاب، ما حتّم نقل أكثر من 20 ضابطاً.
أوساط المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان تؤكد أنه مع تعيين الأعلى رتبة. لكن في جعبته، أيضاً، اسم العقيد زياد قائد بيه. ورغم أنّ أزمة التراتبية التي تنتج من تعيين البعيني تنطبق على قائد بيه، إلا أنها في حالة الأخير أقل ضرراً في ما يتعلّق بالإطاحة بضبّاط أعلى منه درجة، وتنحصر بالضابطين العميد غازي كيوان والعقيد وسام بو هدير. غير أن بعض من يدورون في فلك جنبلاط يذهبون أبعد من ذلك باتهام عثمان بأنه يريد ضرب الموقع الدرزي الأعلى في المديريّة ومصادرة صلاحياته. ومهما يكن من أمر، يعتقد متابعون أن قائد بيه هو المرشح الأوفر حظاً، باعتبار أنّ جنبلاط لن يُمانع في نهاية المطاف خصوصاً أنه يعتبره خياره الثاني بعد البعيني. غير أن آخرين يستبعدون أن يسير جنبلاط في خيار عثمان، لافتين إلى أن الأزمة بينهما ليست محصورة بمنصب قائد الشرطة، بل سبقها كباش على منصب تحري بيت الدين الذي ما زال شاغراً بسبب إصرار جنبلاط على تعيين ضابط يعتبر عثمان أنّ شبهات فساد تحوم حول اسمه.
في المقابل، يعتبر وئام وهاب أن العميد كيوان هو الضابط الدرزي الأعلى رتبة والأحق بخلافة الحلبي، فيما يرفض عثمان اسمه باعتباره ضابطاً مهندساً من خارج الكلية الحربية، وتولّى مناصب إدارية وليس لديه إلمام كاف بعمل الوحدة التي تُعد ضابطة عدليّة متخصصة. فيما يأخذ عليه جنبلاط أن ولايته لن تكون طويلة كونه سيُحال على التقاعد بعد عام. وللمفارقة فإن كيوان كان مرشّح جنبلاط لتولي المنصب نفسه قبل عامين فيما عارضه وهاب لأنه كان أدنى رتبة من الضباط الآخرين!
يشدّد وهاب على أن ما تم تكريسه في العام 2020 لن يتنازل عنه بسهولة. هذا ما قاله غمزاً في مقابلة تلفزيونية وأعاده في بيان صادر عن حزب التوحيد العربي، قبل أن يعلنها حرباً على مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدة على «تويتر» منذ يومين، قائلاً: «لا أفهم لماذا يقوم جنبلاط بتفضيل ضباط على آخرين في ملف الشرطة القضائية. ولماذا نظلم ضباطاً مستحقين لمصلحة ضباط موالين؟ عادت العصابة لتتحكم بالمفاصل. ولكن الحساب قريب».
يختصر وهاب عبارة «الحساب آتٍ» للتعبير عن الكباش الحاصل مع زعيم المختارة بشأن قائد الشرطة القضائية، وإن كان البعض يرجّح أن يكون الرصاص الطائش الذي أطلقه وهاب لا يُصيب جنبلاط فحسب، وإنما كان القصد منه الوصول إلى ميقاتي والمولوي وعثمان، خصوصاً أنّه انتقد الأخير في البيان الصادر عن حزبه حينما دعا إلى «الابتعاد عن الانتقائية التي يمارسها باستمرار المدير العام الحالي لقوى الأمن الداخلي تنفيذاً لمصالحه وأحقاده، محاولاً إفراغ الشرطة القضائية من صلاحياتها واستكمال عملية الهيمنة على هذا الجهاز المهم وتفريغه من مضمونه».
من يعرف وهاب يُدرك أن مفاعيل الهدنة مع جنبلاط بدأت تضمحل شيئاً فشيئاً، خصوصاً أن البعض يتحدث أنّه لن يتوانى عن فتح مشكلٍ درزي - درزي في حال حاول جنبلاط الاستئثار بشأن الدروز، على قاعدة «أكون أو لا أكون». فيما المُستغرب أنّ إرسلان غائب عن المشهد ولم يقرأ له موقف واحد في ما يتعلق بهذا الملف.