لم تكن الحملة التي قامت بها، صباح أمس، شرطة بلدية الميناء بمؤازرة عناصر من قوى الأمن الداخلي لإزالة البسطات الموجودة على الكورنيش البحري في مدينة «الموج والأفق»، كما يطلق عليها، الأولى من نوعها، ولن تكون على الأرجح الأخيرة. فمنذ إنشاء الكورنيش في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أيّام الرئيس السابق للبلدية عبد القادر علم الدين، لا تكاد تمرّ سنة إلا ويشهد الكورنيش البحري عمليات مطاردة تشبه قصة المطاردة الشهيرة بين القط والفأر.فالكورنيش الوحيد الموجود على امتداد الشّاطئ الشمالي، بطول يبلغ 7 كيلومترات تمتدّ من عند مرفأ الصيّادين في الميناء، بمحاذاة قصر الرئيس نجيب ميقاتي في المدينة، إلى الملعب الأولمبي عند المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس، كان يشهد مع كلّ سنة من التوسعة في أشغاله وتمدّده مع عمليات ردم البحر، انتشاراً للبسطات على جانبيه، من مختلف الأشكال والألوان، ، ومنها ما تحوّل مع مرور السنين إلى خيم واستراحات ثابتة ومتنقلة.
في المقابل، كانت تصدر شكاوى من مواطنين عن ممارسات بعض أصحاب البسطات، واتهامهم بترويج المخدرات وبيعها، وحجبهم البحر عن روّاد الكورنيش، ما كان يدفع شرطة البلدية والقوى الأمنية إلى إزالة هذه البسطات، جزئياً أو كلياً، قبل أن تعود إلى أماكنها مجدداً، بفعل الحاجة إليها بوصفها مورد عيش لأغلب أصحابها والعاملين فيها.
تعرّض المنشآت الجديدة للكورنيش للسّرقة والتخريب كان وراء الحملة أمس


لكنّ الحملة لإزالة البسطات من على الكورنيش أخذت في السنوات الأخيرة أبعاداً مختلفة، ذلك أن أصحاب مشاريع سياحية وترفيهية، نشأت أو في طور الإنشاء على جانبي الكورنيش، دفعوا عبر ضغوط مارسوها من أجل إزالة البسطات لأنها تؤثر على مشاريعهم، وكونها تشوّه وجه المدينة البحري، ما جعل الحملات تتسع ضدّ هذه البسطات التي أزيل معظمها عام 2017، بالتزامن مع بدء تنفيذ مشروع الواجهة البحرية في الميناء بتكلفة بلغت نحو 17 مليون دولار بتمويل رئيسي من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجهات مموّلة أخرى. ترافقت الحملة مع وعود بتنظيم البسطات على الكورنيش، للإبقاء على مورد رزق من يعتاشون منها، لكن مع «جعلها حضارية أفضل»، كما ردّد علم الدين مراراً.
لكنّ تعرّض المنشآت الجديدة للكورنيش من مقاعد خشبية وسور حديدي وأعمدة إنارة وغيرها للسّرقة والتخريب، وتذمر السكان القريبين من الكورنيش ومنهم ميقاتي، من تشويه الكورنيش، وتخريبه، وعرقلة أصحاب البسطات مشاريع استثمارية لمتمولين، كان وراء الحملة الأخيرة عليهم أمس، ما أبقى عمليات الشدّ والجذب بين أصحاب البسطات من جهة، والسلطة وأصحاب مشاريع استثمارية من جهة أخرى، تدور في حلقة المراوحة ذاتها منذ نحو 40 سنة، تاريخ البدء بإنشاء الكورنيش البحري، مع غياب أيّ حلّ أو بديل لأصحاب البسطات، الذين لا يبدون مستعدين للتنازل عن لقمة عيشهم بسهولة، خصوصاً في هذه الأيام الصعبة.