رغم أن حق «مكتومي القيد» بالتعليم مكفول بالقوانين، يختار الكثير منهم التخلي عنه والهروب من المواجهة الكبرى التي تنتظرهم في سوق العمل الذي يشترط الحصول على السجل العدلي للعمل أو للسفر. وبحسب أرقام وزارة التربية، تسجّل نحو 3000 طفل وطفلة في التعليم الرسمي والخاص خلال العام الدراسي الماضي2021-2022، تابع منهم 130 طالباً فقط دراستهم في المرحلة الثانوية.
قلق على المستقبل
تبدي إحدى الأمهات قلقها على مستقبل ولدَيْها التعليمي، والذي تصفه بالضبابي، مع أن ابنها يستعدّ لإجراء الامتحانات الرسمية هذا العام، «لكنه سيدخل في المجهول بعد ذلك». قبل 14 عاماً، تزوجت الوالدة رجلاً مكتوم القيد من أصول لبنانية، لكن عائلته لا تمتلك قيوداً في سجلات النفوس اللبنانية، ولم تكن تدرك أن الإجراءات الرسمية الخاصة بالأوراق الثبوتية معقّدة إلى درجة الاستحالة، على حدّ تعبيرها.
تجربة مماثلة تعيشها سيدة أخرى تزوّجت قبل 10 سنوات برجل من ديانة مختلفة، وبسبب ظروف لها علاقة بتعقيدات إنجاز إجراءات الطلاق عند الزوج، استحال موضوع تسجيل زواجها، وبالتالي تسجيل ابنتها التي تبلغ من العمر 9 أعوام. الطفلة تتابع تعليمها، ولكن من دون أي وثيقة رسمية صادرة عن دائرة النفوس والأحوال الشخصية في لبنان، ما يثير لدى الأم مخاوف شتى.

التعليم مكفول
مع ذلك، ينصّ قانون إلزامية التعليم ومجانيته الرقم 150/2011، على حق كلّ طفل بالتعلّم حتى لو كان مكتوم القيد. وبحسب رئيس دائرة التعليم الرسمي في وزارة التربية هادي زلزلي: «لم تكن الأمور منظّمة كما هي الحال اليوم في موضوع تعليم مكتومي القيد في لبنان. قبل 12 سنة تقريباً، كان الأهل يطلبون من المدرسة تسجيل ولدهم المكتوم القيد، وتتولى بعدها إدارة المدرسة التنسيق مع الوزارة بخصوص كلّ حالة على حدة، كما كانت هناك مشاكل كثيرة تواجه هؤلاء الطلاب، خاصة خلال إجراء الامتحانات الرسمية بسبب جهل مسؤولي مراكز الامتحانات والمراقبين بوجودهم، وعدم معرفتهم الكافية بطريقة التعاطي معهم والتثبت من هويتهم خلال فترة الامتحانات الرسمية».
ويضيف زلزلي «منذ عام 2010، سهّلت وزارة التربية تسجيل الأطفال المكتومي القيد في الثانويات الرسمية، وسبقت باقي الوزارات في التعاطي مع هذه الفئة، وأصدرت العديد من القرارات التوضيحية لإدارات المدارس تتركز حول آلية استقبال الطلاب والمستندات المطلوبة لتسجيلهم، كما خصّصت بنوداً لهم في القرارات المتعلقة بإجراء الامتحانات الرسمية وكيفية التثبت من هوية التلامذة، فضلاً عن عملها التوعوي للعاملين في المدارس والوزارة حول واقع هذه الفئة وكيفية التعاطي معهم دون المساس بمشاعرهم أو إحراجهم».
وتشير أرقام الوزارة إلى تراجع أعداد التلامذة المكتومي القيد كلما تقدمت المراحل التعليمية، على الرغم من أن أبواب الجامعة اللبنانية مفتوحة، كما يقول لـ«الأخبار» رئيس الجامعة بسام بدران، و«هم يتعلمون بشكل طبيعي في مختلف كليات وفروع الجامعة، ولا يوجد أي مانع يحول دون دراستهم فيها». كما تشير المديرة العامة للتعليم المهني في لبنان هنادي بري إلى أن «المديرية تولي اهتماماً لهذه الفئة وتخصص لها دورات في أكثر من اختصاص مهني».

إجراءات التسجيل المعقّدة
من هو مكتوم القيد في لبنان؟ يقول المحامي وهيب ططر، إن «مكتوم القيد هو كلّ شخص لبناني يستحق الحصول على هوية لبنانية، ولكنه حُرم منها لأسباب مختلفة، وهو لا يمتلك أوراقاً ثبوتية ولا شخصية قانونية، ومحروم من كلّ حقوقه التي نصّت عليها الاتفاقات الدولية وأولها الحصول على اسم وجنسية والحق بالحفاظ عليها إضافة إلى حرمانه من الطبابة والضمان الاجتماعي والتعليم والعمل والتملك والانتخاب أو حتى التنقل بحرية. وهم مهمّشون حتى عند وفاتهم، إذ ليست لهم سجلّات يُشطبون منها».
من أصل 3000 تلميذ تسجّلوا السنة الماضية يوجد 130 فقط في المرحلة الثانوية


وفق ططر: «يتيح القانون اللبناني الفرصة لمكتومي القيد بتصحيح أوضاعهم والحصول على هوية، إذ يمكن لصاحب العلاقة التقدّم من المحكمة البدائية باستحضار ضد الدولة ممثلة بدائرة القضايا والنيابة العامة التي تُعتبر فريقاً منضماً، ومن ثم يُرفق بالاستحضار نسخة عن قيوده القديمة أو قيود والديه أو أشقائه، ويجب أن يمتلك مستنداً يثبت إقامته في لبنان بتاريخ 30 آب سنة 1924 إقامة دائمة مستمرة، وأن تكون في حوزته نسخة عن قيده وقيد أفراد عائلته المطلوب قيدهم نقلاً عن المستندات التي يحملونها مصدّقة من مختار المحلة التي يقيمون فيها. وتحيل المحكمة ملف الدعوى إلى دائرة القضايا في وزارة العدل، التي تودعها بدورها المديرية العامة للأحوال الشخصية - دائرة الأحوال الشخصية - لإبداء الرأي. ويعاد الملف إلى دائرة القضايا بعد أن تبدي المديرية رأيها سلباً كان أم إيجاباً في ضوء التحقيقات التي تجريها، وبالعودة إلى قيود القديمة التي بحوزتها للتثبت من صحة الادّعاء ويُنفذ الحكم لدى صدوره في قلم النفوس بواسطة دائرة الإجراء عملاً بالمادة 582 قانون أصول محاكمات مدنية».
لكنّ المشكلة تكمن في اعتبار أهالي مكتومي القيد أن تصحيح أوضاعهم مستحيل في ظلّ هذه الإجراءات «المعقّدة» التي تتطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، إضافة إلى مبالغ مالية لإجراء فحص DNA، لذا فلا فائدة من تعليم أبنائهم الذين يولدون ويموتون في العدم القانوني من دون أن تشعر الدولة بوجودهم أو حتى تكترث لغيابهم.



أسباب الظاهرة
تعود أسباب ظاهرة مكتومي القيد في لبنان إلى عوامل تاريخية ناتجة عن عدم الشمول بإحصاء 1932 للسكان، أو مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، وحرمانهم من حق الحصول على الجنسية اللبنانية. والبعض الآخر لديه أسباب قانونية تتعلق بتقصير الأهالي في تسجيل عقود زواجهم، أو عدم تسجيل المواليد الجدد خلال مدة السنة التالية لقدومهم إلى الحياة، وعدم الوعي والمعرفة بأنهم يمكنهم اللجوء إلى القضاء لتصحيح وضعهم.