بعض اللبنانيّين سبّاقون إلى إبداء الرأي في كل قضية تُطرح على الساحة اللبنانية، حيث تسري كالنار في الهشيم عبارات ومصطلحات تصبح «ترند»، من دون أدنى معرفة لمروّجيها بمعناها ومدى مشروعية استخدامها في الواقعة المعروضة، سواء من الناحية القانونية أو الحقوقية أو السياسية وحتى الإنسانية. يتصدّى اللبناني «الحربوق» للموقف وعكسه في الوقت نفسه، فيحمّل ملف اللجوء السوري، مثلاً، أسباب أزماته الاقتصادية والأمنية والسياسية والصحية، ويقف في الوقت نفسه مدافعاً شرساً عن حقوق اللاجئين ويرفض «عودتهم الطوعية إلى بلادهم» باعتباره إبعاداً قسرياً مبطناً يشكل تهديداً لسلامتهم. هل يعرف اللبنانيون ما هو القانون الذي يرعى وينظّم أوضاع اللاجئين؟ وهل لبنان ملتزم بالقوانين التي ترعى هذه الأوضاع؟ وهل يُعدّ مصطلح «الإعادة الطوعية» انتهاكاً لحقوق اللاجئين أم أنه إجراء قانوني يرعاه القانون الدولي نفسه؟ وهل تختلف المفاعيل القانونية بين صفتَي اللجوء والنزوح؟

لبنان ليس دولة لجوء لعدم توقيعه على الاتفاقية الخاصة بأوضاع اللاجئين الصادرة عام 1951. لكنه، رغم ذلك، استقبل لاجئين على أرضه في أكثر من محطة باعتباره ممراً لطلب اللجوء في بلد ثالث. علماً أن الحركة الطبيعية في حالات اللجوء الإنساني، بخاصة خلال الحروب والأحداث الأمنية، تبدأ في اتجاه الدول المجاورة.
عام 2011، مع بدء الأزمة السورية ونتيجة للتحولات السياسية التي كانت تجري في لبنان والمنطقة، انتهج لبنان نهجاً مغايراً لأحداث العراق نتيجة تبدّل الموقف السياسي للفريق الذي قرّر اللعب بالورقة السورية للضغط على خصومه السياسيين. ففُتحت حدود لبنان البرية شمالاً، وانقلب المشهد الذي ودّع فيه اللبنانيون إخوانهم السوريين عام 2005 بإحراق خيمهم والتنكيل بعدد كبير منهم وتحميلهم مسؤولية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات التي حصلت بعده. (نشرت منظمة العفو الدولية في حينه تقريراً بعنوان «أوقفوا الاعتداءات على العمال السوريين وقدّموا الجناة إلى العدالة»).
بدا لاحقاً أن المحرّض انقلب إلى مدافع عن اللجوء السوري وتم تأمين مراكز الإيواء وكلّ المستلزمات اللوجستية، وأُسّست عشرات الجمعيات الخيرية التي تلقّت التمويل لتنفيذ مشاريع خاصة باللاجئين، وصُرفت خلال عشر سنوات مليارات الدولارات على المنظمات والهيئات والجمعيات التي تعمل تحت هذا العنوان. واتُّهمت مصارف لبنانية بابتلاع حوالي 250 مليون دولار من المساعدات المخصّصة للاجئين من خلال تقرير أجرته طومسون رويترز.
وسخّر المجتمع الدولي إمكانات وقدرات لدعم اللجوء السوري وخاصة إلى دول الجوار السوري، تركيا ولبنان والأردن. فقُدمت مساعدات مالية وعينية إضافة إلى تخصيص ميزانية كاملة للتعليم. هذا الواقع استفادت منه الدولة اللبنانية ليس فقط على الصعيد السياسي، بل على الصعيد الاقتصادي أيضاً، إذ إن لبنان كان جاذباً أيضاً لروؤس الأموال السورية التي سارعت إلى نقل أعمالها وأموالها من المصارف السورية إلى المصارف اللبنانية.
وهكذا دخلت ملايين الدولارات إلى لبنان مع بدء الأزمة السورية.
مع تدحرج كرة النار إلى ملعب من فتح النار على سوريا، ومع بدء تغيّر المشهد السياسي محلياً ودولياً وإقليمياً، والخسارات المتتالية للفريق السياسي الذي راهن على الورقة السورية للضغط على خصومه، بدأ تغيّر المزاج السياسي العام في مقاربة ملف اللاجئين السوريين في لبنان، وطفت إلى الواجهة ممارسات أقل ما يقال فيها إنها «عنصرية» بحق هؤلاء. فخلال أزمة «كورونا»، مثلاً، حظرت بلديات عدة تجوّل السوريين بعد الساعة السادسة مساءً، وبعد حراك 17 تشرين وبدء تدهور الوضع الاقتصادي، حُمّل السوريون الكثير من أسباب هذا الانهيار ووصلت إلى حد اتهامهم بأنهم يتسبّبون بفقدان الخبز من الأسواق.
ولم يكن الارتفاع الجنوني للدولار سوى الفتيل الذي أشعل غضباً لن ينطفئ في وجه من يتقاضى مخصّصات بالدولار وتُقدم له كلّ الحاجات الأساسية من طبابة وتعليم ومواد غذائية ومحروقات للتدفئة، فيما يرزح المضيف اللبناني تحت أعباء لا قدرة له على احتمالها.

العودة الطوعية قانونية أم قسرية مبطنة؟
لبنان ليس دولة لجوء لعدم توقيعه على الاتفاقية الخاصة بشوؤن اللاجئين التي أقرّتها الهيئة العامة للأمم المتحدة عام 1951، ولكنه ملتزم بتطبيق معايير القانون الدولي لجهة الاتفاقيات الملتزم بها، ولا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها لبنان عام 2000، وتقضي بعدم ترحيل أي شخص إلى دولة قد تكون حياته فيها مهددة بالخطر، وهذا الأمر يتم التحقق منه من خلال وضع طالب اللجوء نفسه ووضع دولته.
في الملف السوري، انتفت أسباب وجود اللاجئين السوريين في لبنان خصوصاً منهم سكان المناطق التي عادت إلى كنف الدولة ولم يعد يوجد أي خطر أمني فيها. كما أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين يزورون بلادهم باستمرار، سواء عبر الممرات الشرعية أو عبر معابر التهريب. وفي هذه الحال، فإن كل لاجئ يدخل إلى بلاده التي لجأ منها ويعود إليها بشكل طوعي، تسقط عنه صفة اللاجئ لانتفاء السبب.
كما تبيّن أن ما ردّدته بعض وسائل الإعلام عن توقيف السلطات السورية عدداً من اللاجئين أثناء عودتهم الطوعية كان لأشخاص توجد في حقهم ملاحقات قضائية لأسباب جنائية لا علاقة لها بأي شأن سياسي.
وفي حال أجبرت الدولة اللبنانية أي لاجئ على العودة القسرية رغم رفضه هذه العودة لأسباب أمنية أو سياسية، فإنها تكون بذلك قد خالفت الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي وقّعت عليها. وسنداً إلى القانون، على الدولة اللبنانية موجب تسهيل اللجوء إلى دولة ثالثة بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ولا بد من الإشارة إلى أن عدداً من المسجّلين كلاجئين لدى مكتب الأمم المتحدة هم في الواقع سوريون كانوا مقيمين في لبنان قبل عام 2011، وبينهم عائلات تقيم في لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي. إلا أن إجراءات الأمن العام اللبناني التي تبدّلت أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، وخضوع لبنان لـ «قانون قيصر»، وإقفال الحدود السورية بشكل كامل بين البلدين، إضافة إلى تعقيد إجراءات الإقامة التي كانت متّبعة ورفع قيمة الرسوم، دفعت عدداً منهم إلى التخلّي عن هذه الإقامات وتنظيم ملفات لدى مكاتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للاستفادة من تقديماتها من جهة، وللحماية من ممارسات سلبية ضد العمالة السورية من جهة أخرى.
كل هذه الأسباب جعلت من اللجوء السوري في لبنان قضية شائكة لا ينطبق عليها تعريف أو تصنيف واحد، وعودة الآلاف من السوريين هي عودة طوعية نتيجة توقف المساعدات المالية الدولية التي كانت مرصودة لعدم عودتهم، ولوضع لبنان المنهار الذي لم يعد قادراً على تحمّل أي أعباء إضافية. لذا لم يعد أمام عدد كبير من اللاجئين السوريين سوى العودة إلى بلادهم، خصوصاً أولئك الذين لم تُقبل طلبات لجوئهم إلى أوروبا أو أميركا أو أي مكان غير لبنان.
المتفق عليه، لبنانياً ودولياً، أن علاج هذا الملف بات ضرورياً جداً، وأنه لم يعد مجدياً استخدام مئات الآلاف من البشر في لعبة سياسية كبرى انقلبت نتائجها الكارثية ليس على سوريا وحسب، إنّما على كل من شارك وساهم وسهّل وتواطأ في قلب المنطقة رأساً على عقب، ودائماً ينال لبنان حصة الأسد من لعب الكبار على أرضه.
لبنان المغيّب عن خريطة الدول تنظيمياً، بإرادة المسؤولين عنه، وغير القادر على حل مشاكله الداخلية البسيطة، كيف سيتمكن من استقبال آلاف اللاجئين سواء اعتبرهم «لاجئين» أم «نازحين»، إذ في كلا الحالين، على الدولة اللبنانية تأمين البنية التحتية لاستيعاب احتياجاتهم، وهذا أمر لم يعد بمقدور الدولة تحمّله. وحال اللاجئين الفلسطينيين نموذج صارخ عمره 72 عاماً من الحرمان من أبسط الحقوق المدنية لسكان مخيمات البؤس (راجع تقريراً نُشر في «القوس» عن أوضاع المخيمات).

خلفية سجن اللاجئين تعسّفاً
المادة 6 من قانون 1962: «لا يجوز لغير اللبناني الدخول إلى لبنان إلا عن طريق مراكز الأمن العام، وشرط أن يكون مزوّداً بالوثائق والسمات القانونية، وأن يكون حاملاً وثيقة سفر موسومة بسمة مرور أو بسمة إقامة من ممثل لبنان في الخارج أو من المرجع المكلّف رعاية مصالح اللبنانيين أو من الأمن العام...».
يعاقب القانون بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من مئة إلى خمسمئة ليرة (عُدلت قيمة الغرامة) وبالإخراج من لبنان كل أجنبي يدخل الأراضي اللبنانية دون التقيّد بأحكام المادة السادسة السابق ذكرُها.
عودة الآلاف من السوريين طوعية نتيجة توقف المساعدات المالية الدولية التي كانت مرصودة لعدم عودتهم


كما يعاقب القانون كل أجنبي يدلي بتصريح كاذب بقصد إخفاء حقيقة هويته أو يستعمل وثائق هوية مزوّرة. «ولا يجوز الحكم بوقف التنفيذ كما لا يجوز أن تقل العقوبة في مطلق الأحوال عن شهر حبس».
سنداً إلى هذا القانون، يتم توقيف أي أجنبي يدخل بطريقة غير شرعية إلى الأراضي اللبنانية. بعد تنفيذ عقوبة الحبس يصبح الموقوف في عهدة جهاز الأمن العام اللبناني الذي من المفترض به، سنداً إلى القانون، أن يعيده إلى دولته التي جاء منها، وقد جاء نص المادة 32 واضحاً لجهة تحديد عقوبة الحبس والإخراج من لبنان، وأنه لا إمكانية لوقف تنفيذ هذه العقوبة بعد أن يصبح الحكم مبرماً.
لكن، نتيجة التزام لبنان بالاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها عام 2000، والتي تمنع الإعادة القسرية لأي شخص إلى دولة قد تتعرض حياته فيها للخطر، يعود للأمن العام وفقاً لصلاحياته في ما يتعلق بالموقوفين الأجانب القيام بإجراءات ترحيلهم بعد ارتكابهم جرماً جزائياً، تمديد مدة الاحتجاز الذي يصبح بعد انتهاء مدة العقوبة القضائية احتجازاً إدارياً، الأمر الذي يجعل الاحتجاز تعسفياً ومخالفاً للقانون.



لا أرقام دقيقة
لم يعتمد لبنان منذ تأسيسه نظام الإحصاء أو الدراسات الميدانية لمعرفة الواقع الذي يجب العمل عليه في كل المجالات بعيداً عن التكهنات. فإنّ آخر إحصاء رسمي أجرته الدولة اللبنانية لسكانها كان عام 1932 رغم مرور لبنان بمحطات عديدة من الحروب والكوارث التي خلّفت تغييرات ديموغرافية كبيرة فيه. هذا الواقع انسحب على أوضاع اللاجئين الذين توافدوا إلى لبنان منذ نكبة فلسطين عام 1948 وصولاً إلى دخول السوريين بعد عام 2011 وضياع تصنيفهم بين لاجئين ونازحين.

(هيثم الموسوي)

• الإحصاء الرسمي الوحيد الذي أجرته الدولة اللبنانية كان إحصاء عام 1932
• لا أرقام دقيقة ولا إحصاءات تحدّد عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبعد أن طُرحت أرقام كبيرة وصلت إلى أكثر من 479000 مسجلين لدى الأونروا، أشار إحصاء أُجري عام 2017 إلى أن العدد هو 174000 لاجئ. ويذكر موقع اليونيسف أن العدد المقيم في لبنان حالياً مع اللاجئين الفلسطينيين من سوريا هو 192000.
• الأرقام التي ذُكرت عن أعداد اللاجئين السوريين في لبنان غير دقيقة، إذ إن عدداً كبيراً ممن تسجّلوا كلاجئين ليسوا كذلك، ومنهم مسلحون هاربون من التنظيمات التي كانت تقاتل في سوريا، كما أن قسماً كبيراً منهم كانوا يعيشون في لبنان قبل أحداث عام 2011، ونتيجة تعقيدات معاملات تجديد إقاماتهم تخلّوا عنها وتسجّلوا كلاجئين.
في المقابل فإن عدداً من السوريين الذين دخلوا إلى لبنان خلال الحرب السورية رفضوا تسجيل أسمائهم ضمن هيئة الأمم المتحدة لشوؤن اللاجئين ورفضوا تلقي أي مساعدات. وبالتالي، كل ما ورد من أرقام عن عدد اللاجئين غير دقيق.


ما الفرق بين اللجوء والنزوح؟
اللجوء: هو لجوء إنسان إلى بلد آخر غير البلد الذي يعيش فيه هرباً من الحرب أو الاضطهاد، ولا يحق للبلد الذي لجأ إليه أن يعيده إلى دولته ما دامت حياته مهدّدة بالخطر.
النزوح: هو لجوء أبناء الدولة من منطقة إلى منطقة أخرى ضمن الدولة نفسها نتيجة إشكالات أمنية أو عوامل طبيعية.


72 سنة على اللجوء الفلسطيني
بدأ تاريخ لبنان مع ملف اللجوء الفلسطيني منذ ما قبل عام 1948 مع تصاعد التهجير الفلسطيني من قبل الاحتلال الصهيوني. وقد دخل إلى لبنان الآلاف براً، غالبيتهم من سكان شمال فلسطين. ويعيش في لبنان حالياً حوالي 192000 لاجئ فلسطيني مسجلين بحسب موقع منظمة اليونيسف (174,422 لاجئاً فلسطينياً في لبنان و7,706 لاجئين فلسطينيين من سوريا) موزعين على 12 مخيماً في كل المحافظات اللبنانية.

(أرشيف)

رغم مرور أكثر من 72 عاماً على بدء اللجوء الفلسطيني في لبنان، والذي لا يمكن مقارنته بأيّ من حالات اللجوء الأخرى لخصوصية القضية الفلسطينية وارتباطها بحق العودة وإنهاء الاحتلال الصهيوني، إلا أننا نطرحها من زاوية الحقوق التي يتمتع بها كل لاجئ. فرغم ولادة جيل كامل تعلّم وعمل وعاش في لبنان ولم يسعَ للخروج إلى أي دولة أخرى ولا يزال ينتظر العودة إلى فلسطين، لم ينل اللاجئ الفلسطيني أي حق من الحقوق المدنية وفقاً للقوانين والاتفاقيات الدولية. وبدلاً من تحسين أوضاعه المعيشية وخصوصاً أن الفلسطينيين يعانون من الإقصاء المجتمعي بشكل كبير ولافت، جُرد من بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها كحق التملك وحق العمل في عدد من المهن. ولا تزال قضية اللجوء الفلسطيني قائمة لأنها تختلف عن كل القضايا ولا حل لها إلا بتكريس حق العودة إلى فلسطين المحررة.


انتهاكات بحق اللاجئين العراقيين
بعد غزو العراق عام 2003، نال لبنان الحصة الأصغر من اللجوء العراقي (50 ألف لاجئ) مقارنة بسوريا (مليون ونصف مليون) والأردن (750 ألفاً). ورغم العدد الصغير نسبياً للاجئين العراقيين، رأى بعض اللبنانيين أن هؤلاء يشكلون عبئاً كبيراً، فجرى التضييق عليهم، وعُدّ وجودهم على الأراضي اللبنانية غير شرعي، واعتقلت الأجهزة الأمنية اللبنانية المئات منهم من خلال تطبيق قانون تنظيم دخول وخروج وإقامة الأجانب الصادر عام 1962 باعتبار دخولهم غير شرعي، ولم يتم اعتبارهم لاجئين. وقد وثّق عدد من الجمعيات آنذاك انتهاكات بحق العراقيين، ونُشر تقرير وُجّهت من خلاله رسالة إلى الرؤساء الثلاثة لوضع حد لتلك الانتهاكات (نُشر في 29 تشرين الثاني 2010 على موقع الكرامة).