في اليوم ما قبل الأخير من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، حرص رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على التذكير برفضه انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. لم يكن باسيل في حاجة الى إشهار موقفه في يوم احتفال مناصري التيار بزعيمهم المغادر القصر الرئاسي، ولا فرصة نهاية العهد ليقول موقفاً سبق أن قاله أكثر من مرة، وأصبح معروفاً منذ تسوية الرئيس سعد الحريري مع فرنجية قبل إفشالها. لكن باسيل تقصّد استخدام المناسبة ليؤكد ما قاله في بكركي وفي الضاحية الجنوبية، كما فعل في الإعلام أكثر من مرة، ومن دون مواربة.فقد تدرج موقف باسيل من فرنجية، تارةً بحجة التناقض في المواقف من الفساد والإصلاح وممارسة السياسة الداخلية، وتارة بأن جمهور التيار لا يمكن أن يقبل بفرنجية وأن رئيس التيار الوطني الحر غير قادر على تبرير دعم هذا الترشيح أمام جمهوره، وتارة بحجة قاعدة الرئيس الأقوى في طائفته والأكثر تمثيلاً التي لا تنطبق على فرنجية.
يمكن أن تكون كل هذه العناصر مجتمعة، إضافة الى عنصر أساسي يتعلق بالحساسيات الشمالية التي تجعل من الصعب على باسيل تقبل فرنجية رئيساً، مؤثرة في هذا الرفض. لكن هناك معطيات سياسية عملانية أكثر يتعامل معها باسيل في وقوفه ضد ترشيح فرنجية، حتى لو أتى هذا الدفع في اتجاهه من حليفه حزب الله. إذ إنه يرى أن مصدر هذا الترشيح، أولاً وأخيراً، هو رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي عقل التيار ورئيسه أن بري هو الخصم اللدود لباسيل في كل المعايير، ولا سيما أنه غطى حتى اللحظات الأخيرة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في موضوع رفض تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات كان رئيس التيار يريد فيها حصة وازنة. ولأن بري هو صاحب فكرة سلة تفاهمات، منها الإتيان بفرنجية رئيساً واختيار مسبق لرئيس الحكومة، ونظراً الى سوابق رئيس المجلس في الإمساك بزمام التفاصيل السياسية منذ التسعينيات، ما خلا وصول رئيس الجمهورية ميشال عون الى بعبدا، ثمة خشية من أن يتكرر مع وصول فرنجية مشهد الترويكا التي حكمت لبنان بعد عام 1992 لسنوات طويلة وكان بري «لولبها».
في عظته الأخيرة، الأحد الفائت، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي «إن العودة إلى نغمة الترويكا ولّت، لأنها تعطل التآلف بين السلطات والفصل في ما بينها». يتقاطع موقف الراعي مع نظرة باسيل الى احتمال حصول مشهد رئاسي متكامل بين رئيس الجمهورية المقبل ورئيس مجلس النواب، وهذا يذكّر بممارسات تلك المرحلة والإمساك بمفاصل البلد، ويجعل من الصعب على أي فريق ممثّل في مجلس النواب بقوة، عددياً وسياسياً، أن يكون له دور في المشهد السياسي، إذا تمكّن بري وفرنجية من التحكم بإدارة اللعبة الداخلية. ومن سابع المستحيلات أن يرتضي باسيل بتكرار سنوات التسعينيّات لأكثر من سبب يتخطّى واقع تصدّره المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، وصعوبة تراجعه لمصلحة خصمه. لأن المشكلة ستكمن لاحقاً في أن هذا التشابك بين رئيس مجلس النواب ورئاسة الجمهورية سيهمّش القوى الأخرى، وفي مقدمها القوى المسيحية، وهذا الأمر لا ينطبق فحسب على التيار الوطني الحر. إضافة الى أنه سيكرّس مجدداً أعرافاً حاول التيار، رغم أخطاء كثيرة ارتكبت على الطريق، وحتى مع خصومه المسيحيين، كسرها في السنوات الأخيرة. وقد تكون مشكلة باسيل الأولى، اليوم، في إقناع هذه القوى بكيفية مواجهة هذا السيناريو، بعد فقدان عامل الثقة بينه وبينها، علماً أن هذه القوى، المعارضة تحديداً، يمكن أن تتلاقى مصالحها مع مصلحة التيار في رفض ترشيح فرنجية، لأن الخسائر ستصيبها كما ستصيبه.
يرى باسيل أن مصدر ترشيح فرنجية، أولاً وأخيراً، هو رئيس مجلس النواب نبيه بري


والمشكلة الأخرى تتعلق مرة أخرى في موقع حزب الله من المفاضلة بين حليفَيه بري وباسيل، ولا سيما أن الحزب لم يتمكن من إقناع الأخير بموضوع تأليف الحكومة فأصرّ على السير بشروطه الى أن أصبحت حكومة تصريف أعمال. لكنّ وضع الحكومة، على أهميته، يظلّ مضبوطاً ومقاربته أخف وطأة وأضراره أكثر قابلية للمعالجة، من احتمال سير حزب الله في ترشيح فرنجية في صورة علنية وجازمة. وما دام الحزب حتى تاريخه لا يزال يتعامل مع هذا الترشيح بهدوء ومن دون ضغط سياسي وتجييش لترشيح فرنجية، يصبح تحييد بري الخطوة التالية لمنع تطور السيناريو المرسوم نحو خطوات عملانية تجعل المعركة مفتوحة. لأن باسيل لا يناور في موقفه، ولا سيما أن نهاية العهد وإن أصابته بأضرار، تسمح له بهامش أكبر من المعارك، ورئاسة الجمهورية ستبقى بالنسبة إليه أكثر المعارك أهمية، ولن يرتضي بأن يترك الكلمة الأخيرة فيها لبري.