اختبرت الانتخابات الطالبية في الجامعات الخاصة الميول السياسية للشباب، وجاءت النتيجة على الشكل الآتي: تعافي الأحزاب التقليدية بعد «حمّى» 17 تشرين، وإصابة «قوى التغيير» في المجالس الطالبية بعدوى «التشرذم وغياب الهوية» تفضي قراءة عامة لنتائج الانتخابات في الجامعات إلى نتيجة واضحة لا لبس فيها، وهي أن نفس 17 تشرين بدأ يضيق، وأنه بعد 3 سنوات على التحرّكات الشعبية التي تعدّت الشوارع ودخلت الجامعات، لم يعد نجم «قوى التغيير» على اختلاف مسمياتها يلمع. الأرقام تؤكد ذلك، وجميع الأطراف السياسية تتفق أن هذه القوى تراجعت. يقول منسّق قطاع الشباب في التيار الوطني الحر إيلي أبي رعد إن «كل ما يسمى تغييراً ذاهب إلى زوال»، يستدرك مبالغته فيصحّحها: «يتراجع مقابل تقدّم الأحزاب، لا سيما نحن الذين كان رأسنا مطلوباً». ويوافقه رئيس مصلحة الطلاب في حزب الكتائب إلياس سمعان الرأي، «فقوى التغيير وقفت مكانها في بعض الجامعات، وتراجعت في جامعات أخرى في وقت كان يفترض فيه أن تتقدّم أكثر لأنها في طور النشوء، لذا ملأت الأحزاب الفراغ مجدداً».

«قوى التغيير»: لسنا الطاغين
لا تخفي«قوى التغيير» تراجعها، وتعيده إلى «المناخ العام في البلد الذي لا يوفّر الدعم لهذه التنظيمات الجديدة فيؤدي إلى تراجع عام للحركة الاعتراضية»، بحسب منسّق لجنة الاستقطاب في شبكة «مدى»، كريم صفي الدين. يشرح: «بعد 3 سنوات على 17 تشرين، لم نعد في حالة ثورية تدعم القوى الاعتراضية والساعية إلى التغيير»، ويستطرد في اعترافاته: «لسنا الطاغين، لأحزاب الطوائف حجمها ولنا حجمنا، ولا نستطيع أن نطغى عليها بسهولة».
الحديث عن قوى التغيير يشرّع الباب أمام الكثير من التساؤلات المرتبطة بالهوية والرؤية. أولاً، من هي هذه القوى؟ لماذا تفرّخ مجموعات تتنافس في ما بينها، كما حصل في الجامعة الأميركية في بيروت عندما انحصرت المنافسة بين النادي العلماني وناد للمستقلين ومجموعات مستقلة أخرى؟ وكيف يمكن لمجموعة تعرّف عن نفسها أنها مستقلة أن تتحالف مع حزب سياسي عتيق؟ حصل ذلك في «اليسوعية»، إذ شكلت الكتائب لائحة مشتركة مع مستقلين وفازت اللائحة بـ8 مقاعد. لعلّ هذه التساؤلات تفسّر تقهقر هذه القوى، وهذا هو رأي أمين عام منظمة الشباب التقدمي نزار أبو الحسن الذي يجد أن «مجموعات الحراك تتراجع لأن الطلاب فقدت الثقة بها بعدما لاحظت افتقادها لرؤى واضحة ومشروع محدّد، وضعف وضعها التنظيمي مقارنة بالأحزاب».

الأحزاب بخير
في مقابل ذلك، تشجعت جميع الأحزاب التقليدية والتيارات السياسية لخوض المعترك الانتخابي هذا العام، باستثناء تيار المستقبل الذي قاطعها اقتراعاً وترشيحاً «انسجاماً مع تعليق عملنا السياسي، فرغم اتصالات كثيرة وردتنا لتجيير دعم بعض القوى، لم ندعم أيّ مرشح ولم نتدخل أبداً في الانتخابات»، كما يؤكد منسّق عام قطاع الشباب في تيار المستقبل بكر حلاوي.
اطمأنت كل الأحزاب المشاركة في الانتخابات إلى أن قاعدتها الشعبية لا تزال بخير، رغم الحملات التي شنّت عليها، ما شجعها على مشاركة أوسع في السنة المقبلة.
قام حزب الله، مثلاً، بقياس حجم كتلته الشعبية في الجامعة اللبنانية الأميركية، ولم يجد مغزى من تكرار التجربة في جامعات أخرى، «خاصة أننا لم نجد صدى لمشاركتنا، فلم نلمس أي مؤشر للتغيير، ولا تزال المجالس الطالبية شكلية ولا تؤثر في قرارات الجامعة، وتتخذ طابعاً حزبياً حادّاً بعيداً من مصالح الطلاب».
أما حركة أمل، فلمست «اتساع قاعدتها الشعبية في الجامعات بعد الحملات المشبوهة التي ارتكزت على التضليل الإعلامي لتشويه صورتنا، فكان الردّ من الساحة الشبابية»، كما يقول مسؤول مكتب الشباب والرياضة في حركة أمل علي ياسين. وتستبشر «أمل» خيراً بـ«حضور واسع لا سيما لدى طلاب السنة أولى في مختلف الجامعات الخاصة، الذين يملكون إيماناً بفكر الحركة وثقة بنهجها. وهذا يطمئننا إلى أن نتائج الانتخابات خلال الأربع سنوات القادمة ستكون لصالحنا».

«موجة قواتية»
تسمّي القوات ما حصدته «انتصاراً سياسياً». أكثر من ذلك، يتحدّث رئيس مصلحة الطلاب في حزب القوات عبدو عماد عن «موجة قواتية كما تحدثنا سابقاً عن موجة للعلماني والمستقلين». ويعيدها إلى سببين، الأول «ثقة الطالب أن القوتجي سيعمل لصالحه مهما كانت انتماءاته الدينية والطائفية والسياسية، والثاني يرتبط بالمناخ السياسي العام والثقة بالقوات التي لمسناها في انتخابات المجلس النيابي وانعكست شعبوياً في الجامعات». ويفسّر تقدمه عن السنوات الثلاث السابقة بالقول: «بعد 17 تشرين حقدت الناس على كل الأحزاب التقليدية من دون أن تفرّق بين طرف سياسي وآخر على قاعدة كلهن يعني كلهن. ثم اكتشفوا أننا نختلف عن الآخرين، ومن جهة ثانية شبعوا كلاماً من نواب التغيير، ففقدوا ثقتهم بكل التغييريين». لا مشكلة للقوات مع المستقلين ومن يريد التغيير فعلاً، «مشكلتنا مع النادي العلماني الذي يمتلك أيديولوجيا وفكراً يسارياً وطروحات قريبة من الشيوعية».

«انتفاضة» التيار البرتقالي
يذهب التيار الوطني الحر أبعد من القوات في الحديث عن رضاه عن نتائج الانتخابات. يشبّه ما يحصل اليوم بما حصل قبل أكثر من 30 عاماً، «كما لم ينجحوا عسكرياً في إلغائنا في التسعينيات وعدنا أقوياء، لم تنجح حملاتهم السياسية والإعلامية في ضربنا، وعكست الانتخابات الطلابية هذه السنة تقدّماً واضحاً عن السنة الماضية»، وفق أبي رعد. بعيداً عن عدد المقاعد القليلة التي حصدها بشكل عام، يجد «التيار البرتقالي» ترشحه في 10 كليات بدلاً من 3 في العام الماضي بمثابة «انتفاضة»، إذ «خضنا أم المعارك في أكبر كليتين: الهندسة والطب، وخسرنا بفارق 13 صوتاً في الأولى، و10 أصوات في الثانية»، وهذا برأيه «يؤسس إلى فوز حتمي وكبير في السنة القادمة». أما خسارته كلّ المقاعد التي ترشح إليها في سيدة اللويزة فيعزوها إلى «الجو العام في الجامعة الداعم لطرف سياسي، وعدم جهوزيتنا للمشاركة في الانتخابات».


الـAUB: «معقل التغييريين»
تبقى الجامعة الأميركية في بيروت حالة خاصة. فطيف 17 تشرين لا يمكن أن يغيب بسهولة من الجامعة التي خرجت منها «الثورة» وشكّل رئيسها فضلو خوري أحد أعمدتها، ومنها صعد النادي العلماني وتوسّع. ولأنها «معقل التغييريين» لم تتجرأ جميع الأحزاب على المشاركة صراحة في انتخاباتها، وبعضها ارتأى التخفي وراء مستقلين. يقول أبو الحسن:«شاركنا كحزب تقدمي اشتراكي وحزب الله وحركة أمل في الانتخابات من خلال دعم مرشحين مستقلين بطريقة غير واضحة، لأن الإدارة تدعم وجود مجموعات مستقلة غير حزبية». ولا يختلف أحد أن إدارة الجامعة تضيّق على الأحزاب، ووفق شميساني «قد يخاف الطلاب من أن تضيّق الجامعة عليهم إذا أفصحوا عن انتماءات وولاءات حزبية معينة كأن تحرمهم من منح تعليمية».