حال المدارس الرسمية من حال بيوت الناس، لا كهرباء ولا ماء، وتكاليف موادّ التعقيم من الكلور وأخواته "مدولرة" بالكامل، بالتالي لن تحتمل الموازنات التشغيلية طويلاً بنوداً إضافية ترهقها. مواجهة الوباء في المدارس بدأت بأسلحة متبقية من أيام الكورونا من صابون ومعقّمات. الوزارة غائبة عن الدعم المادي والعيني، وحاضرة في الدعم الفني للمرشدين الصحيين عبر منشورات ودورات تأهيلية لتعريفهم بالخطر الجديد، وتساعدها البلديات المهتمة في المهمة نفسها، والنتيجة منشورات كوليرا فوق منشورات كورونا، ولا من يقرأ ولا من يحزنون.
المرشد الصحي
يقضي المرشد الصحي وقته مشغولاً بدورة صباحية تنظمها الوزارة، تليها دورة مسائية من تنظيم البلدية، ولكن من دون التركيز على الحاجة الحقيقية المتمثلة بتأمين مياه نظيفة وكادر مؤهل. يوضح مدير ثانوية أنّ المرشدين الصحيين "ليسوا أطباء ولا ممرضين، وهم غير مخوّلين إعطاء حبة بانادول للتلامذة. هم أساتذة فضّلوا العمل الإداري على التعليم، منهم أساتذة مواد أدبية واجتماعية لا يمتلكون مخزوناً علمياً مؤهلاً لهذه المواجهة، ولكن، خضعوا في أوقات سابقة لدورات تأهيلية حوّلتهم من أساتذة إلى مرشدين".

لا مساعدات حتى الآن
حتى الساعة، لم تُقدّم أي مساعدات عينية أو مادية للمدارس الرسمية لمواجهة تداعيات وباء الكوليرا، فقط "دورات على مدّ عينك والنظر، لا تسمن ولا تغني من جوع" بحسب مدير مدرسة رسمية، وتواصل خجول من "اليونيسف" بدأ أول من أمس، وأتى على شكل "استبيان عن المرافق الصحية في المدرسة". بحسب المختصين، الصفوف ليست مكاناً لنشر العدوى إن لم يحصل تبادل لعبوات مياه الشرب والأطعمة بين التلامذة، أما التهديد فيكمن في الحمامات المشتركة، والمياه الملوّثة. هذه الأخيرة تشكل أرقاً كبيراً في معظم المدارس الرسمية اللبنانية، فانقطاع المياه دفع المديرين إلى شراء "نقلات الصهاريج" غير المأمونة، أو الاعتماد على الآبار في حال وجودها وتأمين الكهرباء اللازمة للضخ، ولكن حتى هذه الوسيلة الأخيرة لتأمين المياه لم تعد مأمونة بشكل كامل، في إحدى ثانويات الضاحية تبيّن أن البئر ملوّثة منذ ما يقارب الأربع سنوات، فلجأت مديرة الثانوية إلى "مياه الدولة"، التي تبيّن أنّها تلوّثت أيضاً منذ مدة ليست ببعيدة.
وفي الجنوب، يؤدي انقطاع الماء التام إلى استنزاف صناديق الثانويات من جهة، وانشغال مدير المدرسة الرسمية في التدقيق بمصادر الماء بدل الانشغال في الأمور الأكاديمية والإدارية. هذه الحالة دفعت بمدير ثانوية في الجنوب إلى الطلب من التلامذة والأساتذة "التقنين في استخدام الحمامات، لتوفير مصروف الماء، فشحّها سيدفع إلى شحّ في النظافة". إلا أنّ هذه الحالة لا تنعكس على كلّ المدارس الرسمية، في البقاع تتمكن بعضها من تأمين المياه النظيفة يومياً، دائماً عبر الصهاريج، معتمدةً مصادر "مأمونة، ومراقبة من قبل بلدية المنطقة".
أما في الشمال، في ببنين تحديداً، إحدى بؤر انتشار المرض، فـ"لا تعقيم حقيقياً، أو استخدام للكلور لتعقيم المياه، بل تحرّ عن مصدر الماء فقط" بحسب أستاذ في المنطقة، ويضيف: "الأمور متروكة على عاتق النظار والمرشدين الصحيين". هناك مدارس أُقفلت لأيام قليلة للتعقيم والتنظيف، وأخرى قابلت الوباء بخبرات جائحة الكورونا، فأقفلت الصفوف التي تحتوي على تلامذة مصابين فقط.

داخل الصفوف
الأساتذة في حيرة أيضاً، يسألون ويدقّقون ويستفسرون من زملاء لهم عن وباء الكوليرا وسبل الوقاية منه. تروي يارا، أستاذة العلوم الطبيعية لـ"الأخبار" كيف تحوّلت فرصتها من وقت للراحة بين الحصص، إلى شرح لزملائها عن ماهية البكتيريا الجديدة، فيما تقوم سمر أستاذة الكيمياء بتقدير حجم الكلور اللازم وفقاً لحجم الماء في الخزانات، وترى في ذلك "خدمة اجتماعية لا بدّ منها في ظل غياب تام للإرشادات المفيدة".
أما في الصفوف، فانقسم التلامذة بين مهتمين بالأوضاع المستجدّة، وبين غير مبالين يتحجّجون باختصاصاتهم الأدبية قائلين لأستاذهم الذي يستفزّهم بأسئلته حول الكوليرا: "شو خصنا يا أستاذ، فتنا لهون لأن ما منحب العلمي". أما الصورة العامة، فليست على ما يرام، فتوعية التلامذة محصورة في ما يتلوه عليهم النظار، والمشكلة بعدم تبني الخطر، بحسب أستاذة "لن يشعر التلامذة أو الأساتذة بالسخن إلا عند وقوع المشكلة".