بعد سنوات من الهدوء في مخيم نهر البارد، بدأ نهار الأهالي فجر أمس، على هدير طائرة «سوبر توكانو» حلّقت في سماء المخيّم على علوّ منخفض، وهزّت المباني المتهالكة، فيما كان عناصر من الجيش اللبناني يطوّقون مداخل المخيم. وخلال وقت قصير، دخلت قوّة كبيرة من الجيش عبر حاجزي المحمّرة والعبدة باتجاه وسط المخيم القديم، مدعومةً بزوارق للقوّة البحريّة استنفرت في البحر قرب الشاطئ على الواجهة الغربية.للوهلة الأولى، بدا أن عملية الجيش تستهدف القضاء على مجموعات إرهابية كبيرة، لكن تبيّن مع بدء العملية أنها تستهدف القبض على مطلوبين جنائيين. ولاحقاً أصدر الجيش بياناً أكّد فيه «توقيف 9 مطلوبين بموجب مذكرات توقيف عدة بجرائم ترويج مخدرات وإطلاق النار والقتل، تم ضبط أسلحة حربية، وعدد من المماشط وكمية من الذخيرة».
القوّة «المبالغ بها» للجيش، أثارت استياءً واسعاً بين الأهالي والفصائل الفلسطينية في الشمال، حيث عمد بعض الشّبان إلى قطع الطرقات مع خروج الآليات والجنود ورشق بعض نقاط الجيش بالحجارة احتجاجاً على حالة الهلع التي أصابت السّكان. ودانت الفصائل بعد اجتماعها «أسلوب التعاطي مع المخيم بشكل عام وهذا الاستعراض العسكري من طائرات وزوارق وملالات ترعب النساء والأطفال والشيوخ»، فيما دعت فعاليات المخيم إلى «إعلان الإضراب العام».
مصادر عسكرية أوضحت لـ «الأخبار» أنه «منذ فترة بدأت تزداد الحوادث الجنائية في البارد وبدأ ظهور بعض عصابات السرقة والاتجار بالمخدرات، كما ظهر وجود أسلحة داخل المخيم لا سيّما خلال مراسم التشييع التي حصلت أخيراً لضحايا مركب الهجرة الأخير، وهناك مطلوبون بمذكرّات عدلية. أما مسألة القوة الكبيرة، فهذا الأمر مردّه إظهار جاهزية الجيش في التحرّك لصد أي تهديد أمني أو جنائي وتحسّباً لوجود مجموعات إرهابية قد تقوم بالاعتداء على الجيش أثناء تنفيذه مهامه». وأضافت المصادر: «هناك تفهم لاعتراض الأهالي أو الفصائل على العمليّة. لكن الأسباب الأمنية هي الأساس. ويجب إنفاذ القانون في كل المناطق، ومخيم البارد جزء من الأراضي اللبنانية».
وفيما يبدو موقف الجيش واضحاً، عبّر أكثر من مسؤول فلسطيني عن مواقف متباينة في اتصالات مع «الأخبار». البعض أبدى تفهمه لإجراءات الجيش بضرورة «ضرب تجار المخدرات الذين يضرّون بالمخيم قبل محيطه»، بينما عبّر البعض الآخر عن امتعاض كبير من «تحريك أسلحة الجو والبحر في مخيم نهر البارد المفتوح أمام دوريات الجيش بشكل دائم ولديه وضع خاص، والجيش هو من يرصد المداخل والمخارج، ولا وجود لقوات أمنية فلسطينية فيه». واعتبر ممثل إحدى فصائل التحالف أن «لا مانع لدى أي من الفصائل من قيام الجيش بمهامه، وعلى العكس هناك تنسيق تام لاعتقال أي مطلوب في أي مخيم، لكن تكسير البيوت وترهيب الأهالي غير مبرّر». وتابع أن «مثل هذه الخطوات يشجّع من يريد إيقاع الفتن في البلد لاستغلال التوتّر وحالة الغضب في المخيم تجاه الجيش، لا سيّما عملاء العدو الإسرائيلي والعناصر الإرهابية».
المصادر العسكرية أكّدت أن «هناك الكثير من المعلومات عن وجود عناصر إرهابية قدمت من إدلب والعراق إلى لبنان، وبعضها يحاول الدخول إلى المخيمات، لكن لا يوجد ارتباط بين المداهمات والخلايا الإرهابية، إنّما الإجراءات العسكرية الكبيرة من باب الاحتراز وقطع الطريق على من يفكّر بالقيام بأنشطة خارجة عن القانون، كما أن الجيش بات يستخدم الطائرات في العمليات ضد المطلوبين في البقاع وأماكن أخرى في الشمال».
دعت فعاليات المخيم إلى إعلان الإضراب العام


اختلاف المواقف، يفتح النّقاش مجدداً حول مسألة المخيمات الفلسطينية، التي تتعرّض منذ عقود طويلة لأسوأ أنواع الحصار والظروف القاسية. مصادر متابعة لاجتماعات لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وهيئة العمل الفلسطيني المشترك، أكّدت أن الاجتماع الذي عقد أخيراً في السراي الحكومي بحضور ممثلين عن هيئة العمل المشترك وعن وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والأمن العام، جرى التطرق فيه إلى أوضاع نهر البارد وضرورة حسم الملفات العالقة فيه. ويضيف المصدر أن «مخيم نهر البارد ومخيمات الشمال عموماً والمخيمات البعيدة عن الحدود الجنوبية يجب أن يسود فيها الهدوء والأمن في المرحلة الأولى، من أجل التقدم في ملفّ الحقوق المشروعة للفلسطينيين في لبنان، والعكس صحيح، من واجب الدولة اللبنانية تأمين الحقوق الأساسية للفلسطينيين ومن واجب الفلسطينيين الحفاظ على أمنهم وأمن لبنان».
في المقابل، تقول مصادر هيئة العمل المشترك إن «الحفاظ على أمن المخيمات والأمن اللبناني أمر مسلم به والجميع يعمل لذلك، إنّما يجب أن تتم معالجة أمور المخيمات ليس بالطرق الأمنية فقط».
قائد الجيش العماد جوزف عون استقبل السفير الفلسطيني أشرف دبور أمس، وصدر عن الطرفين بيانان «بروتوكوليان» أكّدا على التنسيق والتعاون لحفظ أمن المخيمات، فيما من المفترض التطرّق إلى عملية الجيش في نهر البارد خلال اجتماع مقرر مسبقاً بين فصائل التحالف مع مخابرات الجيش اليوم في وزارة الدفاع للملمة أي تداعيات محتملة لما حصل.