«اليوم... كنا بدنا نروح ع الفرصة. فجأة، ألغوا الفرصة وما نزّلونا ع الملعب... لأن الشمس كانت قوية كتير». هذا ما حفظه محمد (7 سنوات) من يومه المدرسي أمس، عن كسوف الشمس الجزئي الذي شهده لبنان. في المقابل، خرج الكثير من التلامذة بمعلومات ملموسة عن الكسوف والخسوف، بعيداً عن صفحات كتاب الجغرافيا، ما جعل الدرس ممتعاً وإن نقله كلّ منهم على طريقته.
كسوف الشمس، الذي شمل مناطق واسعة من نصف الكرة الأرضية الشمالي، واستمرّ نحو ساعتين في لبنان، استبقه وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي بتعميم طلب فيه من المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة توعية الطلاب حول مخاطر النظر مباشرة إلى أشعة الشمس خلال فترة الكسوف، ومواكبتهم «للتأكد من عدم تعرّضهم خلال الكسوف لأشعّة الشّمس، بشكل مباشر أو عبر النّظّارات، لما لذلك من أثر سلبي على شبكة العين». فهل نجحت المدارس في نقل تفسير علميّ إلى الطلاب حول الكسوف، بعيداً عن الخرافات التي قد يسمعونها عن «تمساح يأكل الشمس»؟ وماذا يعرف الطلاب عن هذه الظاهرة الطبيعية التي تمرّ على الكرة الأرضية من مرتين إلى خمس مرات سنوياً؟

عودة باكرة من المدرسة
تجد الصديقتان نور وزهراء (13 عاماً) الكسوف «مناسبة جميلة سمحت بعودتنا باكراً من المدرسة عند الثانية عشرة ظهراً». تتجادلان حول ماهيته. نور تعرف من معلمة العلوم التي زارت صفهما، وقاطعت الحصة أن «الكسوف هو الوقت الذي يدخل فيه القمر بين الشمس والكرة الأرضية، تحمرّ على إثره الشمس وتحلّ العتمة»، تقاطعها زهراء، وتصحّح لها: «عندما يحصل الكسوف يقترب القمر من الشمس فينتقل ضوء الأخيرة إليه، لذا يتحوّل القمر من اللون الأبيض إلى الأحمر»، وتنقل عن معلمتها: «نادراً ما يحصل الكسوف، عام 1999 حصل كسوف كلي في لبنان، إذ غطى القمر كامل الشمس، عندها ظنّ البعض أن هناك من قضم الشمس والبعض الآخر راح يغني لها».
حذّرت معلمة العلوم التلاميذ من النظر إلى الشمس وقت الكسوف، وأخبرتهم في رسائل عبر واتسآب أنه «هناك نظّارات خاصة لرؤية الكسوف من دون التعرّض للأذى، كما يمكن استخدام عدسة خاصة في التليسكوب تسمح برؤيته عن قرب». لكن نور انتابها الفضول فاسترقت النظر من النافذة من دون استخدام النظارات، «ولم أجد شيئاً غريباً»، أما زهراء فأخذت كلام المعلّمة بجدية وأغلقت الستائر والنوافذ وأي منفذ للضوء «لأقطع الطريق أمام دخول أشعة مؤذية».

دموع في العينين
بعض التلاميذ يجهلون أيّ معلومة عن الكسوف لأن المدارس لا تجد حاجة إلى مقاطعة المناهج وتفسير ظاهرة طبيعية يعيشونها. تسأل بعضهم عن الكسوف، إما يسكتون أو يتخبّطون في نقل ما سمعوه من شرح وجدوه إما خاطئاً أو معقّداً. لا يعرف محمد (7 سنوات) لماذا حُرم من النزول إلى الملعب عند الفرصة، «فجأة ألغوا الفرصة». كذلك الأمر بالنسبة إلى ليلى (15 عاماً) التي لا تعرف لماذا طلبت الناظرة في الحصة الأولى من الطلاب عدم النظر مباشرة إلى الشمس». وتضيع ريمي (7 سنوات) في شرح ظاهرة الكسوف، برأيها، «يحصل عندما يقطع القمر الطريق على الأرض ويمنعها من رؤية الشمس، ترسل الشمس أشعة مؤذية تتسبّب بدموع في العينين وأحياناً تحرمنا من النظر كلياً»، هذا ما سمعته من خالتها.
تقصير المدارس كان يقابله في بعض الأحيان تدخّل من جانب الأهل لسدّ الثغرات في المعرفة. نسأل جود، مثلاً، عمّا تعرفه عن الكسوف، فتجيب بثقة عالية: «الأرض تدور حول نفسها والقمر يدور حول الأرض. في لحظة ما يتوقف القمر بين الشمس والأرض ويغطي نور الشمس حتى لا نراها، وعندها يحصل الكسوف». لم تتلقَّ ابنة التسع سنوات هذه المعلومات من معلمة العلوم التي لم تحضر أصلاً وتلتزم بطلب الوزير توعية الطلاب، بل من والدتها. في الصف، سأل صديق جود أستاذة التربية الدينية: «ما هو الكسوف؟ فأجابته بصوت ضعيف لذا لم يسمع أحد غيره الإجابة»، كما تقول جود.
لم يخبر أيّ من الأساتذة والمعلّمات فاطمة (12 عاماً) أن «الكسوف هو وقوف القمر بين الشمس والأرض». تعرف ذلك مما أخذته السنة الماضية في مادة الجغرافيا. عندما نسأل شقيقها علي (13 عاماً) عن معنى الكسوف يسكت، ثم تصلنا همسات فاطمة "تُغشّشه"، ليردّ: «الكسوف هو أن يغطي القمر الشمس».