منذ نحو عامين، خفّت معاملات الاستشفاء لدى صندوق المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. السبب الظاهر لهذا الأمر أن الخوف من انتشار فيروس كورونا قلّل الدخول إلى المستشفيات وحصرها بالحالات الطارئة، وبمن تستوجب علاجاتهم دخول المستشفى. قد يكون هذا السبب دليل عافية، لولا أنه ليس الأدّق. حقيقة الأمر أن ما يردّه الضمان لقاء فاتورة الاستشفاء لم يعد يساوي شيئاً. لذا، توقف كثر من المضمونين عن السير في معاملات الاستشفاء على حساب الصندوق، بما أنهم لا يجنون منها سوى المشقّة، مع انقلاب القاعدة التي على أساسها كانت تتم الحسابات. فبدلاً من أن يدفع الصندوق 90% من قيمة فاتورة الاستشفاء مقابل 10% يدفعها المريض، باتت الآية معكوسة. واليوم، تنخفض القيمة التي يدفعها الضمان أكثر، إذ تلامس، بحسب المصادر، 4,5% فقط من قيمة الفواتير، بسبب الانهيار في قيمة الليرة مقابل الدولار واتجاه المستشفيات نحو تسعير الكثير من خدماتها بالدولار الفريش، فيما تتوقّف التسعيرة لدى الصندوق عند الـ1500 ليرة للدولار.ولأن أحوال المرضى لم تعد تحتمل هذه الفوارق بين ليرة الضمان وبين «الفريش» الذي تفرضه غالبية المستشفيات، أصدرت إدارة صندوق الضمان، أخيراً، قراراً بتصحيح تعرفات الأعمال الطبية والاستشفائية في فرع ضمان المرض والأمومة. وبحسب القرار، رفعت قيمة الأعمال الطبية العادية غير المقطوعة مرتين ونصف مرة، وقيمة الأعمال الجراحية المقطوعة 3 مرات، على أن تدخل هذه التصحيحات حيّز التنفيذ «فور إنجاز برامج المكننة الخاصة بذلك».
انتهى البيان. لكنّ هذه الخاتمة لا تعني أن حال المضمونين باتت على ما يرام، وأن الضمان استعاد عافيته. ما فعله هذا البيان هو أنه «لم يفعل شيئاً»، إذ إنه ليس منتظراً أن تخفّف هذه التصحيحات الحمل عن كاهل المرضى المضمونين. وهذه إشكالية يطرحها بعض المعنيين في إدارة الضمان ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة أيضاً.

أصحاب المستشفيات: «مش ماشي الحال»
لم تتخذ نقابة أصحاب المستشفيات قراراً بعد في ما يخصّ تصحيحات الضمان، إلا أن كتابها المرسَل إلى المدير العام للصندوق، محمد كركي، يشي بالوجهة المفترضة. في كتابها، أبلغت النقابة كركي أنه «مش ماشي الحال»، حسب ما يقول سليمان هارون، نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة. فبالنسبة إلى المستشفيات، لا تحلّ هذه التعديلات المشكلة القائمة. وعليه، لا يمكن السير بتلك التعرفات مع المآخذ التي يسجّلها أصحاب المستشفيات على القرار بشقَّيه: الأعمال الطبية العادية والأعمال الجراحية.
في الشق الأول، يشير هارون إلى أن زيادة ضعفين ونصف ضعف على التعرفة القديمة لن تغيّر الكثير، إذ إن «المريض سيبقى يدفع فروقات»، خصوصاً أن الزيادة رفعت دولار الضمان للاستشفاء من 1500 ليرة لبنانية إلى 3750 ليرة لبنانية، فيما غالبية الخدمات والأعمال الطبية في المستشفيات (مختبر، أشعة، أتعاب الأطباء، الأدوية…) تفوتر على أساس الدولار الفريش أو سعر صرف الليرة في السوق الموازية. أي أن الضمان رفع تسعيرة الأعمال الطبية ضعفين ونصف ضعف، فيما لامس الارتفاع في الخارج الـ27 ضعفاً.
أما بالنسبة إلى العمليات الجراحية، فالأزمة ليست في أن زيادة ثلاثة أضعاف (4500 ليرة للدولار بدلاً من 1500) بعيدة عن الكلفة الحقيقية، وإنما في تطبيق هذه الزيادة على المبالغ المقطوعة لبدلات العمليات المعتمدة في وزارة الصحة العامة. الإشكالية تكمن في أن لوائح الأسعار لـ«المقطوعة» المعتمدة لدى وزارة الصحة لم تتعدّل بشكلٍ شامل منذ 22 عاماً. وهذا يجعل الزيادة متخيّلة أكثر مما هي واقعية، إذ إنه بعد 22 عاماً «لم تعد المقطوعة هي نفسها، فقد زادت الكلفة في الكثير من العمليات، وخفّت في عمليات أخرى، أضف إلى ذلك أن التقنيات والمعدّات تغيّرت كثيراً». وهذا إن يعني أن المقطوع لم يعد صالحاً للتطبيق اليوم «حتى لو لامس التصحيح الـ20 ضعفاً».
لوائح الأسعار المعتمدة لدى وزارة الصحة لم تتعدّل بشكلٍ شامل منذ 22 عاماً


وبما أن «المكتوب» يُقرأ من العنوان، فمن الواضح أن المستشفيات الخاصة لن تسير في القرار، ما يعني عملياً أن المضمونين مستمرون في دفع فروقات بعشرات ومئات ملايين الليرات التي يخضعون فيها لـ«ذمة» المستشفيات وتسعيرة خدماتها.
أرقام الضمان أشبه بحسابات دفترية
ليست النظرة إلى قرار الضمان من الداخل بأحسن مما وصفتها نقابة أصحاب المستشفيات، فثمة تساؤلات كثيرة حوله. وإن كان مجلس إدارة الضمان قد وافق بالإجماع على كتاب المدير العام الذي يطرح فيه تعديل التعرفات «لأنها تصبّ في مصلحة المضمونين، وكي لا يستغلّ الرفض في الحسابات السياسية»، إلا أن مروره «لا يعني أنه حلّ المشكل». وبحسب المصادر، فإن الدراسة الإكتوارية التي أجريت بخصوص هذا الموضوع «لا يعتدّ بها نظراً إلى الوضع في حساب الصندوق، فأرقام الضمان اليوم أشبه بالحسابات الدفترية في محال السمانة». من هنا، سجّل بعض الأعضاء اعتراضاتٍ على الدراسة التي استندت إلى أرقام «ليست دقيقة تستند إلى وجود فوائض موجودة فعلياً على الورق، فيما الأرقام الفعلية لا نعرفها، خصوصاً أن الضمان يسير بلا قطع حساب منذ عام 2010». ويلحق هؤلاء هذا الاعتراض بتساؤلٍ لم يجب عليه المعنيون ومفاده: على أي سعر صرفٍ أُخذ القرار؟