يحلو لكثير من النواب أو السياسيين وصف جلسات انتخاب رئيس الجمهورية الأربع الماضية بأنها مجرد مسرحيات. ليس معروفاً من أطلق هذا الوصف وكيف وصل إليه. وعندما يقول النواب عنها كذلك، يتحدثون بقرف. ولكنهم في كل مرة يستدعيهم فيها رئيس المجلس يحضرون «مثل الشاطرين»، ومن يغيب بداعي السفر أو المرض أو لانشغالات طارئة، يفعل ذلك إدراكاً منه ومن قيادته بأن لا شيء سيفوته. مع ذلك، ليس مفهوماً، لي على الأقل، لماذا يطلقون على ما يجري صفة المسرحية: هل يعرفون سيناريو الحدث فيفترضون أنه سيناريو مسرحية، أم أنهم تدربوا على نصوص وحركات وأدوار فصاروا يعرفون أنهم يشاركون في مسرحية، علماً أن هؤلاء يجلسون على مقاعد تشبه مقاعد الجمهور، ولا يرقصون على المنصة المفترض أن تكون ساحة لعرض المسرحية.حتى لا يبدو في الكلام إهانة لأحد، الأرجح أن من يسمّي ما يحصل بالمسرحية ليس سوى كومبارس تعوّد على هذا الدور أو ألفه أباً عن جد. بل أكثر من ذلك، فإن غالبية من يطلقون وصف المسرحية هم، في حقيقة الأمر، ممثلون رديئون استقدموا على عجل مثل الجمهور الذي يستقدم في الأفلام الصاخبة. وليس بيد هؤلاء سوى القيام بما رسم لهم من دور، وعندها يكون صحيحاً أننا أمام مسرحية.
حقيقة ما يحصل هو أن لاعبين جديين يستخدمون جلسات المجلس النيابي من أجل تحضير المسرح للحفلة الحقيقية والوحيدة، والتي سيتمّ فيها انتخاب (اقرأ اختيار) رئيس جديد للبلاد، بعدما يكون النص الأصلي قد حاز موافقة الجهات الرقابية في البلاد وخارجها. وفي هذه الجلسة، ليس هناك من مفاجآت تتطلّب فتح الأفواه وشدّ الأعصاب أو القفز من فوق المقاعد فرحاً أو غضباً. كل ما في الأمر أن اسماً سيجري توزيعه، شفهياً أو خطياً، ويرد في معظم الأوراق التي تسبق فرزاً احتفالياً ينتهي بإعلان اسم الرئيس الذي يحضر وفي جيبه خطاب مكتوب قبل مدة غير قصيرة، يقرأه بعد القسَم، ثم يتلقّى التهاني في قاعة جانبية، علماً أن التهاني ليست ملزمة كالتصويت، فيمكن لمن أسقط الورقة مرغماً أن يختار عدم التهنئة طوعاً، وله أن يخرج الى الجمهور والإعلام معلناً موقفه الرافض للانتخابات المعلّبة، أو الرئيس الذي سقط علينا بالباراشوت، وإلى آخره ممّا هو في حقيقة الأمر جزء من النص المسرحي نفسه.
لكن، بناءً على رغبة المصرّين على تسمية ما يجري بالمسرحية، فإنّ ما مرّ حتى الآن من تدريبات لا يشير الى جهوزية الممثلين للجلسة الموعودة. وسيعمد المخرج الى استثمار ما تبقّى من ولاية الرئيس ميشال عون لمزيد من التدريبات. لكن، يبدو أن المُخرج سئم بعض الاجتهادات التي يلجأ إليها بعض الممثلين الذين يفترضون لأنفسهم أدواراً غير مكتوبة وغير مقررة. وبناءً عليه، فإن مراجعة النص والحبكة الدرامية ولحظة الذروة تدرس بعيداً عن ضجيج ساحة النجمة.
ما هي حقيقة الأمر؟
ليس في كتلة القوات اللبنانية من يصدق أنهم سينتخبون ميشال معوض رئيساً للجمهورية. أصلاً رواية القوات هي أن فكرة ترشيح معوض جاءت أساساً من الحزب التقدمي الاشتراكي، وأن وليد جنبلاط ناقش الأمر مع شخصيات، بناءً على نصيحة أو توصية من المصرفي أنطوان صحناوي وبواسطة النائب وائل أبو فاعور القريب من صحناوي، ثم نوقش الأمر لاحقاً مع السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الذي فهم أن المطلوب منه حشد ما أمكن من أصوات سنّية لمصلحة معوض من أجل تشكيل لائحة ناخبين ميثاقية، والعمل على تشكيل جبهة تسمح باختراقات لاحقة في الكتلة الشيعية، وتحديداً من خلال كتلة الرئيس نبيه بري.
حتى اللحظة يتقاطع المحليون مع الخارج على اسم وحيد: جوزيف عون


الرئيس بري ليس ولداً، وهو أساساً لا يؤمن بمعوض، مثله مثل جنبلاط، جعجع أيضاً. لكنه لا يمانع مثل هذه التجارب إذا جرت على شكل استطلاع بالنار، وهو استطلاع يحقق سلسلة أهداف دفعة واحدة: يقول لسمير جعجع بأن يهدأ قليلاً ويتصرف على أنه لاعب وليس صانع رؤساء، وأن يقول لبقايا 14 آذار إنهم ليسوا في موقع يسمح لهم حتى بترشيح شخصية يمكن التعامل معها بجدية، وأن يقول لورثة سعد الحريري بأنهم ليسوا في موقع التفاوض القوي لانتزاع موقف إجماعي للطائفة السنية.
لكن بري الذي يظهر ميلاً الى دعم ترشيح سليمان فرنجية قد لا يكون مقاتلاً لأجله كما فعل المرة الماضية. صحيح أنه لم يتفق مع حزب الله على دعم العماد عون، لكنه يعرف أن الصعوبات التي تواجه ترشيح فرنجية اليوم ليست ناجمة فقط عن معارضة التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، بل في كون السعودية تتصرّف على أن فرنجية يمثل امتداداً ولو بشكل مختلف لحكم الرئيس عون. والسعودية في هذه النقطة لا تهتمّ لموقع فرنجية في إدارة البلاد، بل لموقعه السياسي غير المصطدم مع حزب الله. ورغم تأييد بري ومعه حزب الله وآخرون لترشيح فرنجية، فإن الأمر لا يصل إلى حدّ إعلان الدعم العلني ووضع اسمه في صندوقة الاقتراع.
عملياً، ليس منطقياً شطب اسم فرنجية من لائحة المرشحين الجديين، ولو أن الأمر يتطلب تسوية كبيرة في الشارع المسيحي، لأن بري وجنبلاط يعرفان أن الأمر لا يحتاج فقط الى غطاء كتلة نيابية ككتلة التيار الوطني، بل الى تأييد صريح من بكركي التي تميل الى شخصيات بعيدة عن الاستقطاب السياسي القائم. وعليه، فإن القطبة المخفية في هذه اللعبة ستعيد الأمور الى النقطة التي توفر تقاطعات كبيرة من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر الى بكركي وقوى محلية، لا تعتقد أنّ من الخطأ السير بقائد الجيش العماد جوزيف عون، وخصوصاً أن حزب الله لا يضع أي فيتو على قائد الجيش ولا على أي مرشح آخر، والفيتو الوحيد الذي أبلغه حزب الله الى جهات محلية وخارجية يتعلق بشخص سمير جعجع وليس أي أحد آخر.
في انتظار انتهاء التدريبات الجارية، فإن السؤال المشروع يبقى هو ذاته: هل تمون أميركا على بري وجنبلاط للانضمام الى بقية الكتل «السيادية» للسير بقائد الجيش؟