لم يتجاوز عدد المصابين بالكوليرا في طرابلس أصابع اليد الواحدة، حتى الآن، بحسب تقرير الترصّد الوبائي الذي تصدره وزارة الصحّة يومياً، إلا أنّ أحداً في المدينة لا يخفي مخاوفه من احتمال تفشّي المرض فيها. وهي مخاوف مشروعة في ظلّ عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة على صعيد تلوّث مياه الشرب، واهتراء قسم كبير من شبكة مياه الصرف الصحّي خصوصاً داخل المناطق الشعبية والفقيرة، وعدم وجود رقابة جدّية على المنتجات الزراعية التي تبيّن أنّ قسماً كبيراً منها يُسقى بمياه ملوّثة.يضاف إلى هذه العوامل، ظهور مرض اليرقان فيها قبل مدّة، وهو مرض يعتبر برأي الأطباء «بيئة خصبة» لظهور مرض الكوليرا. كما أنّ انقطاع الكهرباء أدى بدوره إلى انقطاع المياه عن أغلب أحياء المدينة نتيجة توقّف مضخّات المياه عن العمل، ما تسبّب بتجمّع الجراثيم في القساطل، وفي بحث الأهالي عن مصادر أخرى لتأمين المياه، مثل سُبل المياه والصهاريج، وأغلبها غير مراقب.

الكوليرا في المياه
ودقّت الحادثة التي شهدتها منطقة باب التبّانة مساء أوّل من أمس السبت، وهي أكبر منطقة شعبية في طرابلس، وذات كثافة سكانية مرتفعة جدّاً، جرس الإنذار من أنّ الأيّام المقبلة لن تكون مطمئنة على هذا الصعيد.
فبعدما أعلنت رئيسة برنامج الترصّد الوبائي في وزارة الصحّة ندى غصن بأنّ «ثلاث عيّنات تمّ أخذها، في 18 تشرين الأوّل الجاري، من 3 مصادر للمياه العامّة في المنطقة (سُبل مياه)، بقرب جامع حربا، وقد جاءت النتيجة إيجابية للمصادر الثلاثة، وأنّه يوجد زرع جرثومي للكوليرا فيها»، حاولت دوريّة من قوى الأمن الداخلي، مساء السبت الفائت إغلاق سبيل المياه الموجود أمام المسجد المذكور، بأمر من وزارة الصحّة، خوفاً من انتشار الكوليرا في المنطقة، لكن عدداً من الأهالي اعترضوا الدورية ورفضوا إغلاق السبيل، معتبرين أنّ مياهه سليمة ولا تحتوي على أيّ جراثيم، وأنّهم يستخدمونها منذ سنوات، ما دفع القوى الأمنية، تفادياً لأيّ توتر مع الأهالي، إلى مغادرة المكان.
ومع أنّ الأهالي أبدوا شكوكهم في صحّة نتائج فحص عيّنات المياه التي أُخذت، الأمر الذي دفع وزارة الصحّة إلى أخذ عيّنات جديدة من سبيل المياه المذكور صباح أمس من أجل فحصها لمزيد من التأكّد، فإنّ مواطنين في المنطقة أوضحوا لـ»الأخبار» بأنّ عدم موافقتهم على إغلاق سبيل المياه المذكور يعود إلى أنّ «قسماً كبيراً من أهالي الأحياء المجاورة له يستخدمون مياهه في منازلهم ومحالهم، وحتى الآن لم تسجّل أيّ إصابات كوليرا في المنطقة»، لافتين إلى أنّه «في حال إغلاق وزارة الصحّة السبيل، مع غياب المياه نهائياً عن المنطقة منذ أسابيع، سيُحرم الأهالي كليّاً من المياه لأنّ أغلبهم، فقراء ليس بمقدورهم شراء مياه معدنية».
نُقل مصابان إلى مستشفى شتورا للعلاج بسبب تقدّم مرضهما لكنهما فرّا منها


ووصل انقطاع المياه في طرابلس، وبحث الأهالي عن أيّ مصدر لتأمين حاجياتهم، إلى حدّ أنّ بعض مساجد المدينة، خصوصاً في داخل المناطق الشّعبية والأسواق القديمة، باتت تنادي على المصلّين عبر مكبّرات الصوت بأن يأتوا إلى الصّلاة متوضئين، لأنّه لا يوجد مياه فيها!

وعود لا تُنفّذ
كلّ ذلك كان يحصل بينما وزير الصحّة فراس الأبيض كان يجول أوّل من أمس في طرابلس والمنية وعكّار، معلناً أنّ لقاح الكوليرا سيكون مؤمناً خلال 10 أيّام على أبعد تقدير، وهو وعدٌ كان أطلقه خلال زيارته إلى طرابلس والشّمال في 11 من الشّهر الجاري، من غير أن يترجم أيّ شيء من هذه الوعود على الأرض حتى الآن، بما يتعلق بتأمين لقاحات الكوليرا، ولا تأمين أقراص الكلور لصهاريج المياه، ولا دعم المستشفيات الحكومية من أجل قيامها بالواجب المطلوب منها خصوصاً في مناطق طرابلس والمنية والضنّية وعكّار وعرسال والبقاع، التي «نعتبرها خط الدّفاع الأعلى في مواجهة الكوليرا»، بحسب قوله.

استعدادات المستشفى
في هذا الوقت، يحضّر مستشفى طرابلس الحكومي نفسه لمواجهة تحديات انتشار المرض الكوليرا، ويوضح مدير المستشفى ناصر عدرة لـ»الأخبار» أنّه تم تخصيص «35 سريراً لمرضى الكوليرا، وخلال أسبوع إلى 10 أيّام سيكون هذا القسم مُجهزاً ومهيئاً بالكامل»، لكنه لا يخفي قلقه من «عدم قدرة المستشفى على الاستيعاب في حال تفشي المرض، عندها سنكون في أزمة حقيقية».
لذا ينصح عدرة باتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية لمواجهة الكوليرا، من «الحرص على النظافة، إلى التنبّه وعدم شراء الخضر والفواكه التي تُسقى بمياه ملوّثة، وأن تكون مياه الشرب نظيفة»، معتبراً أنّه «إذا عالجنا مشكلة تلوّث المياه سنكون قد عالجنا 75% من المشكلة».