يجتمع أهالي حيّ البحصة في بلدة ببنين، أمام منزل أحمد سلمى للاطمئنان إلى صحة أطفاله وأقربائه بعدما بلغ عدد المصابين بمرض الكوليرا تسعة، نقلوا أمس إلى مستشفى حلبا الحكومي. الغالبية من الأطفال الذين أصابتهم أوجاع حادة لم تنفع الأدوية التي أعطيت لهم في المنزل في تسكينها، كما نُقل مصابون آخرون إلى مستشفى المنية الحكومي. «منذ حوالى الأسبوع وأعراض الكوليرا تظهر على أطفالي. لا نستغرب الأمر لأن الإصابة بالإسهال أمر اعتيادي بالنسبة إلينا بسبب المياه الملوّثة التي نستخدمها للاستحمام وغسل الملابس»، يقول سلمى، الذي يستسلم لواقع أنّ «الحساسية والجرب يملآن أجسادنا ولا يوجد أمامنا خيارات، فجميعنا يستخدم مياه قناة ريّ البارد الملوثة».
الواقع في حي «آل سلمى» ليس أفضل من واقع حي «النجمة»، حيث يناشد دياب العلي البلدية والمعنيين التدخل لإنقاذ المرضى من تفشي الوباء «الذي ضرب الصغير والكبير في الحيّ»، وذلك بعد وفاة الطفلة ليمار العلي (ثلاثة أشهر) ودخول جدّها غرفة العناية في مستشفى رفيق الحريري في بيروت، وثلاثة من أعمامها وأمها العناية في مستشفى طرابلس الحكومي.

خروج عن السيطرة
«لقد توقف العدّ في مستشفى حلبا الحكومي والأمور خرجت عن السيطرة»، يقول أحد الأطباء العاملين في المستشفى، مؤكداً أن «الأعداد في ازدياد هائل، ولقد استقبلنا اليوم العشرات ونتعاطى مع الجميع على أنهم مصابون، نعمد إلى تقديم الإسعافات اللازمة للحالات غير المتقدّمة ويتم إدخال من هم بحاجة».
المستشفى التي يقع عليها العبء الأكبر «دفعت الوزارة لطلب نقل بعض الحالات إلى مستشفيَيْ طرابلس والمنية» يقول مدير المستشفى خضرين، لافتاً أن جميع الأسرّة ممتلئة، وللغاية تم إيقاف العمليات الباردة وتحويل غالبية الأسرّة لمرضى الكوليرا». ويؤكد خضرين، «أن تزايد الأعداد مؤشر واضح على أن أسباب انتشار الوباء لا تزال قائمة، والمطلوب التحرّك فوراً لتعقيم المياه وتأمين المياه النظيفة».

قناة ريّ البارد
سبب تفشي الأمراض والأوبئة واحد بالنسبة إلى غالبية سكان بلدة ببنين، وهو تلوّث المياه المستخدمة في المنازل بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحي، وهي مشكلة قديمة تفاقمت مع إنشاء مخيمات عشوائية للنازحين السوريين على امتداد البلدة، «فبات الوباء داخل كل حي».
وتعدّ قناة ريّ البارد، التي تخترق بلدة ببنين (أكبر بلدات محافظة عكار، ويبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة) وغالبية بلدات ساحل القيطع )المحمرة، ببنين، وادي الجاموس، برج العرب ودير دلوم وصولاً إلى سهل عكار حيث تروي أجزاء كبيرة منه)، السبب الأساس للتلوّث.
توقف العدّ في مستشفى حلبا الحكومي والأمور خرجت عن السيطرة


أنشئت قناة ريّ البارد عام 1971، بهدف ريّ عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية لتعود بالخير على المزارعين، وذلك بإشراف مؤسسة مياه لبنان الشمالي المخوّلة متابعة المشروع والإشراف عليه وتنظيفه. لكنّها تحوّلت مع مرور السنين إلى مكبّ لشتى أنواع النفايات، بدءاً بالنفايات المنزلية، مروراً بالنايلون الخاص بالمشاريع الزراعية وحتى فضلات المسالخ، وصولاً إلى المياه المبتذلة والصرف الصحي الموصولة مباشرة بقساطل إلى القنوات، وفي الجهة المقابلة تظهر خراطيم المياه المخصصة لشفط المياه من القناة إلى داخل المنازل بهدف الاستخدام المنزلي وريّ المزروعات!
فالقناة محاذية للمنازل، بعدما شيّد كثيرون بيوتهم هناك بشكل مخالف للقانون، تحوّلت إلى بؤرة لنشر الوباء، وهي مكشوفة للمارة والتلوّث واضح بالعين المجردة ولا يحتاج لفحوص مخبرية كتلك التي أعلن عنها وزير الصحة فراس أبيض في مؤتمره الصحافي أول من أمس. فقد أعلن أنّ «المياه الملوّثة هي واحدة من الأسباب الأساسية لانتشار الوباء، إذ سجّلت الفحوص التي أجرتها وزارة الصحة العامة تلوّث مياه في عدد من الينابيع من بينها نبع الريحانية في الشمال ونبع عين فاعور في ببنين».