ترأس أمس وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين اجتماعاً حول مشروع "جمع الفائض الشتوي في نبع الطاسة" مع كلّ من ممثلي مؤسسة مياه لبنان الجنوبي التي تنفذّه، ورئيس اتحاد بلديات إقليم التفاح بلال شحادة. هذا الاجتماع ليس الأوّل الذي يناقش المشروع، الذي لاقى اعتراضات من ناشطين وعدد من أهالي البلدات المحيطة بالنبع، لكن قد يكون له دور رئيسي في حسم مصير المشروع من قبل وزارة البيئة. إذ توقع الوزير ياسين بأن "تنجز الوزارة خلال الأسبوع المقبل دراسة الأثر البيئي الذي قدّمته المؤسسة"، مرجّحاً الموافقة عليها واستئناف الأشغال.

التزامات المؤسسة
فقد خصص الاجتماع للبحث في الإجراءات الفنية والبيئية التي يجب أن تلتزم بها المؤسسة لضمان استمرار تدفق المياه في نهر الزهراني. علماً بأن مشروع "جمع الفائض الشتوي من نبع الطاسة" الواقع في سفح بلدة جرجوع (قضاء النبطية)، ينقسم إلى قسمين: الأول إعادة تأهيل منشآت المؤسسة الواقعة على النبع و المتضررة بفعل الزمن والقصف الإسرائيلي خلال عدوان تموز. والثاني إنشاء قناة مائية لأخذ كمية فائضة من مياه الأمطار بنسبة حوالي 6 في المئة (16 ألف متر مكعب من أصل 350 ألفاً) عبر فتحات الفائض وإعادة القسم المتبقي إلى مجرى نهر الزهراني. أما الفائض فيُضخّ عبر الجاذبية بشبكات نحو 20 بلدة في قضاءي صيدا والنبطية، لاستخدامه في مياه الشفة.

مبالغات من الطرفين في حجم الاستفادة من المشروع أو ضرره (الأخبار)

وكان قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر قد قرّر في 11 تشرين الأول الجاري الترخيص بمتابعة الأعمال في المشروع، الذي كان قد أوقفه في 28 أيلول الماضي، بناء على طلب مقدم من الدائرة القانونية لجمعية "الشعب يريد إسقاط النظام". قرار الاستئناف ربط استكمال الأشغال بموافقة وزارة البيئة على تقييم الأثر البيئي "لأنه يندرج تحت عنوان مياه الشفة ويقام على مجرى النهر الذي يعد بيئة حساسة". فما هي اعتبارات "البيئة" التي ينتظر مؤيدو المشروع ومعارضوه تقييمها لها بعد الجدل الذي رافقه؟

حق الناس بالمياه
في حديث لـ"الأخبار"، لفت ياسين إلى أن اللجنة الفنية في الوزارة تعكف على دراسة المستندات التي قدّمتها مؤسسة مياه لبنان الجنوبي حول تصنيف وتأهيل وإعادة تأهيل موقع المشروع ومحيطه. وربط التأخير بالبت بها إلى قلة عدد موظفي الوزارة وبرنامج المناوبة في الدوام الذي فرضته الأزمات الاقتصادية الأخيرة. لكن عامل التأخير الرئيسي، عدم مراعاة المؤسسة لأصول الأثر البيئي الذي تنصّ عليه القوانين. إذ بدأت بتنفيذ الأشغال قبل إبداء الرأي، بحسب ياسين. ويعيد الجدل المرافق للمشروع إلى "تراكم الإشاعات من متخصصين وغير متخصصين، إلى جانب غياب الثقة بمشاريع الدولة وحسن تنفيذها".
في المقابل، تبين من الدراسة الأولية مبالغة من الجهات المؤيدة والمعترضة على السواء. "أصحاب المشروع يبالغون في تقدير كميات مياه الشفة التي سيؤمنها للبلدات المستفيدة. في حين أن المعترضين يبالغون أيضاً بأثره على مجرى النهر المتضرّر بشكل بالغ، في الأساس ومنذ عقود، من تحويل الصرف الصحي إليه ومن سحب مياهه عشوائياً إلى بعض الاستراحات السياحية والبلدات الواقعة على ضفافه".
يستند قرار الوزارة المنتظر إلى قدسية معادلة حق الناس بالمياه. "لا يمكن لأحد بأن يقف بوجه مشروع يهدف إلى تأمين مياه الشرب للمواطنين" حسم ياسين. ما ستوصي به وزارته وضع إجراءات تسمح لسيل المياه بالتدفق في مجرى النهر. "حصلنا على بيانات عن كميات المياه التي تخرج من النبع طوال أيام السنة من المصلحة الوطنية لنهر الليطاني وستزوّدنا مؤسسة مياه لبنان الجنوبي بتقرير شهري عن نسب تدفق المياه. وطلبنا من المتعهد استحداث فتحات في الخزان الذي أنشئ لتجميع مياه الفائض قبل ضخه في الشبكات نحو البلدات المستفيدة".
موافقة "البيئة" على استئناف الأشغال في خزان نبع الطاسة، لا ينهي دورها. "القضية الأساس والأشمل التي يجب أن نهتم بها كإدارات رسمية وبلديات ومجتمع محلي هو حماية الحوض المائي لنهر الزهراني" يقول ياسين. فالصراع انحصر على مياه النبع ومحيطه الأقرب بمسافة 500 متر. فيما المجرى المتبقي من إقليم التفاح حتى مصبه في بحر الزهراني، يعاني من الجفاف في معظم أوقات السنة بسبب التعديات على جانبيه، فضلاً عن تحويله إلى مصبّ للصرف الصحي للبلدات المشرفة عليه.