طوال الأشهر الخمسة الماضية، عمل «الحريريون» على جرد «داتا» الانتخابات النيابية. لم «يحصروا» في قلوبهم طويلاً، إذ سرعان ما بدأوا إنزال «القصاص الشرعي». الأولوية كانت لـ«المكان» الذي توغّل فيه الرئيس فؤاد السنيورة وغرف منه المحصول الأكبر من الأصوات للائحة التي كان يدعمها في الانتخابات: اتحاد جمعيّات العائلات البيروتيّة.كانت تلك المرة الأولى التي يتجرّأ فيها الاتحاد، منذ تأسيسه عام 1998، على الخروج من «بيت الطاعة» وإدارة الظهر للحريرية السياسية التي وضعت له الحجر الأساس «بعرق جبينها»، ورفضت عشرات العائلات الانضواء في إطاره لأنّه كان منقاداً تماماً لإرادة «الشيخ رفيق» دون غيره من السياسيين البيارتة.
ردّ «المستقبليين» الصاع بدأ مع محاولة تطيير رجل السنيورة في الاتحاد رئيسه محمد عفيف يموت. استلّ «الحريريون» ملفّات لاتهامه بهدر أموال صندوق «الاتحاد» خلال الانتخابات و«ضبّها في جيبه». ووقّع 10 أعضاء من الهيئة الإداريّة بياناً الأسبوع الماضي لسحب الثقة من يموت «بسبب الممارسات التي انعكست سلباً على أعضاء الهيئة الإدارية»، مشدّدين على أنّ «سحب الثقة من الرئيس يتم بالأكثرية المطلقة (النصف زائداً واحداً) من أعضاء الهيئة الإدارية، ونحن نُشكّل الأكثرية المطلوبة».
يتسلّح أصحاب «نظريّة المؤامرة» بأنّ «الثأر» من يموت بعد انقلابه على الرئيس سعد الحريري ودعوة العائلات البيروتية إلى تحويل «القبلة السياسية» في الانتخابات نحو «السادات تاور» ليس الأول. سبقت ذلك معركة خيضت في وجهه داخل جمعية آل يموت ربحها على المحامي محمّد يموت الذي انتُخب نائباً للرئيس.
قريبون من يموت ينفون أن يكون الرجل انقلب على الحريري بعدما اتفقا سابقاً على ترشيح ماجد دمشقية عن «الاتحاد»، قبل أن يُعلن رئيس تيار المستقبل انسحابه من الحياة السياسية. استغل السنيورة ابتعاد الحريري لينقضّ على «دجاجة» تبيض أصواتاً وتؤمّن غطاء بيروتياً لمعركته، محذّراً العائلات البيروتية من أن يأخذ بيارتة محسوبون على حزب الله مكانها في المجلس النيابي.
تمنّى السنيورة على أعضاء الاتحاد «ضبضبة» الملف لعدم إثارة «شوشرة داخل الطائفة»


هاشمية «يقصقص الأجنحة»
بعد الانتخابات، تحوّل يموت في نظر «المستقبليين» إلى رجلٍ جاحد نفّذ أجندة السنيورة وجنّد ماكينة الاتحاد الانتخابية لمصلحته. لذلك، يتهم البعض رئيس جمعية بيروت للتنمية أحمد هاشمية بأنه يريد «تدفيع» كل من وقف في وجه إرادة الحريري في الانتخابات الثمن. ولهذه الغاية، أطلق حملة «قصقصة الأجنحة» بدءاً بيمّوت، على أن تُستكمل مع آخرين، مع محاولة استقطاب بيارتة محسوبين على 8 آذار باعتبارهم «أوفى من بعض من كانوا مستقبليين». ليس مؤكداً ما إن كان الحريري موافقاً على أداء هاشميّة، لكنّ هناك تأكيدات بأن هذه الحملة تتقاطع مع مصالح النائب نبيل بدر. فيما يؤكد متابعون أن الهدف ليس الإطاحة بيموت الذي تنتهي ولايته في شباط المقبل، بقدر ما هو إيصال رسائل بأن «المستقبليين» لا يزالون هنا، والأهم، هو «قطع رأس» رجُلَي السنيورة في الاتحاد، أي «التميمين» (بسّام وفادي تميم)، مع وعود لعضو الهيئة الإداريّة عبدالله شاهين بدعمه للوصول إلى رئاسة الاتحاد.

رواية الخصوم
هذا ما يسوّقه يمّوت، إلا أن خصومه يصفون رواية «مؤامرة هاشميّة» بأنها من نسج خيال رئيس الاتحاد، إذ إن الموقّعين على البيان لا يدورون حالياً في فلك «المستقبل»، ومن بينهم ماجد دمشقية الذي ترشّح على لائحة السنيورة.
أعضاء الهيئة يرفضون الخوض في أسباب الخلاف، إذ إنّ «الأزمة داخلية وتعنينا وحدنا ولا نريد نشر غسيلنا»، مؤكدين أنهم وقّعوا بيان سحب الثقة وأودعوه في الأمانة لكنهم فوجئوا بتسريبه وتناقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، «وهذا ما لم نكن نريده».
متابعون لملف الاتحاد يؤكدون أنّ أزمة الاتحاد «عمرها سنوات وهي ناتجة عن أداء يمّوت ومحاولاته التفرّد بالقرارات. وما فجّرها أخيراً هو إخفاؤه الحسابات المالية الانتخابية، مع اتهام بعض الأعضاء له بصرف أقل من 200 ألف دولار من 390 ألفاً رُصدت للانتخابات، قبل أن يصل إلى مسامع بعض أعضاء الهيئة الإدارية أخيراً بأن رئيس الاتحاد سوّق أمام إحدى الشخصيات السياسية لمشروع تنموي لم يسمعوا عنه».
إذاً، للأعضاء روايتهم التي يرفضون إعلانها خصوصاً بعد تسارع الاتصالات لـ«المونة» عليهم بـ«ضبضبة» الملف. ومن أبرز المتصلين كان السنيورة الذي استدعى يموت وبعض أعضاء الهيئة الإدارية إلى «السادات تاور»، وأكد أمامهم، وفق محسوبين على رئيس الاتحاد، أن لا علاقة ليموت بالمصاريف التي «كانت من مسؤولية لجنة تم تشكيلها لمتابعة هذا الأمر». وشدّد على عدم إحداث «شوشرة داخل الطائفة»، متمنياً على الأعضاء «تهدئة اللعب» حتى انتهاء ولاية الرئيس الحالي وعدم سحب الثقة منه.