تسدل إسرائيل، خلال اليومين المقبلين الستار على «مسرحية» رفضها للملاحظات اللبنانية على مسودة اتفاق الحدود البحرية بصيغته الأولى. ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية اليوم لتصديق الاتفاق، على أن يتبع ذلك (اليوم أيضاً) عرض الاتفاق في قاعة الكنيست كما أعلن رئيس الكنيست ميكي ليفي، مشيراً إلى أنه، بناء لطلب الحكومة، سيسمح بعرض الاتفاق على الأعضاء لمعاينة التفاصيل في أقرب وقت ممكن، وفوراً بعد المناقشة التي ستجرى في الحكومة.التعديلات التي أدخلت على الملاحظات اللبنانية مكّنت إسرائيل الرسمية من النزول عن «شجرة الرفض»، علماً أنها لا تمس جوهر الملاحظات ومضمونها، بل جمّدت الخلاف على جزء من الحد البحري بوصفه، لبنانياً، خطاً محتلاً (مزارع شبعا بحرية)، خلافاً لما كان يهدف إليه الجيش الإسرائيلي ابتداء. فيما تحققت للبنان أيضاً تسوية الحق العيني لحقل قانا الذي بات حقاً لبنانياً خالصاً، بما يشمل المنطقة التي تتوغل جنوب الخط 23.
مع ذلك، حقق الاتفاق، كما تبلور، مصالح الجانبين الرئيسة:
- بالنسبة للبنان، العائد الاقتصادي كاملاً ويزيد عما كان يطالب في السنوات الـ12 الماضية. وفي حال أحسنت الحكومة اللبنانية العمل على استغلال ثروات لبنان النفطية والغازية بات يمكن استغلال هذه الثروة بما يتجاوز منطقة الحد البحري إلى مجمل البلوكات اللبنانية شمالاً.
- العائد الإسرائيلي متشعب، وإن كان يرتكز أكثر على الفائدة الأمنية قياساً بالاقتصادية التي كادت أن تكون منتفية قياساً بمطالبها الابتدائية منذ سنوات، وإلى حد بعيد جداً، تقلص كبير في الفائدة السياسية. ووفقاً لما تركز عليه المقاربة الرسمية، «زمطت» تل أبيب من حرب كانت مرجحة جداً في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق يراعي الحقوق اللبنانية.
ورغم أهمية مجريات اليومين المقبلين، واستحقاق المصادقة وما يتساوق معه وما يليه، إلا أن أهم ما يجب ملاحظته في السياقات الإسرائيلية، هو الآتي:
- لا يختلف الإسرائيليون في ما بينهم على أنهم خضعوا لحزب الله، وأُرغموا على توقيع ما يوصف بأنه اتفاق ترسيم حدود، فيما هو في الواقع انتزاع للحق اللبناني من العدو عبر اتفاق إذعان. ولا مبالغة في هذا الأمر كون الإنجاز نفسه متعاظم في ذاته، بلا إضافات.
- الخلاف الإسرائيلي يتعلق وحسب، في أسلوب تظهير الخضوع وشكله الخارجي، وهو يختلف باختلاف الموقع السياسي والمصلحة السياسية. رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، ومن يصطف إلى جانبه، كان وما زال واضحاً جداً في التعبير عن الرضوخ، وإن كان يستغل الواقع لغايات انتخابية، إذ لا تعارض بين المطلبين: واقع الرضوخ وإرادة الاستغلال. وبالأمس عاد وذكر الإسرائيليين بأن «هذا ليس اتفاقاً تاريخياً (مع لبنان)، بل خضوع تاريخي».
- الجيش الإسرائيلي، وكل الأجهزة الأمنية والعسكرية كما تبين لاحقاً، «بصمت» على الاتفاق من منطلق الخشية من التسبب، في حال الرفض، في مواجهة عسكرية مع حزب الله. الوثيقة الصادرة بالإجماع عن الأجهزة الأمنية كما نشرت أخيراً في الإعلام العبري، وهي الوثيقة التي دفعت المستشارة القانونية لقبول مطلب عرض الاتفاق على المجلس الوزاري المصغر وحسب منعاً للمزايدات والعرقلة، غير قابلة للجدل ولا تتحمل التأويل: المؤسسة الأمنية خيّرت الوزراء بين الاتفاق مع لبنان وإلا الحرب مع ويلاتها، ولا ثالث لهما.
- وازن جيش العدو خياراته جيداً منذ أن هدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بضرب كاريش، وما بعد بعد كاريش، إن لم يتمكن لبنان من استخراج نفطه وغازه. قرار الجيش الإسرائيلي جاء حاسماً ومبنياً على ركائز تقديرية صلبة جداً، ومن اليوم الأول الذي أعقب التهديدات: حزب الله يملك القدرة المادية التسليحية، وهذا ليس موضع نقاش، وهو الآن يظهر قراراً لا رجعة فيه، أي الإرادة التي ألزم نفسه بها، بأن يبادر إلى تفعيل القدرة إن لم تلب مطالبه. جاء قرار الرضوخ الأمني صلباً بما لا يسمح للمؤسسة السياسية بتجاوزه، وبما يتساوق مع صلابة موقف حزب الله وجديته في الذهاب بعيدا في تهديداته.
لا خلاف بين الإسرائيليين على أنهم خضعوا لحزب الله وأُرغموا على توقيع ما يوصف بأنه اتفاق ترسيم حدود


- تلقى لابيد، ومن معه، دعماً من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أكد له في اتصال هاتفي أمس أهمية الاتفاق مع لبنان الذي سيضمن أمن إسرائيل على الحدود الشمالية، ويعزز الاقتصاد الإسرائيلي واللبناني، وهو اتصال عد أيضاً حثاً أميركياً على إنهاء الخطوات الأخيرة من الاتفاق، عبر المصادقة عليه من دون إبطاء.
وكان لابيد وصف الاتفاق بأنه «إنجاز تاريخي يعزز أمن إسرائيل ويضمن الاستقرار على الحدود الشمالية»، مؤكداً أنه بات بإمكان إسرائيل استخراج الغاز من حقل كاريش، وهو إقرار بأن تأخير استخراج غاز كاريش سببه الخشية من تهديدات المقاومة ولم يكن لأسباب تقنية كما كذّب المسؤولون الإسرائيليون وما زالوا. أما وزير الأمن بني غانتس فشدد على أن الاتفاق سيعرض على الجمهور (الإسرائيلي) بشفافية تامة، وفقاً للقانون، مع تأكيده أيضاً أنه «في الأشهر الأخيرة رافقت المؤسسة الأمنية عن قرب المفاوضات بشأن الحدود البحرية في الشمال من الناحية الأمنية. ووقفنا بحزم على أن يضمن الاتفاق المصالح الأمنية لدولة إسرائيل، التي لم نتخل عن شبر واحد من أمنها».
حديث الأمن والمصالح الأمنية، كان موضع انتقاد في تل أبيب، من خارج المزايدات السياسية. ومن عينات مقاربة الإعلاميين التي لم تنته أمس، يذكر حديث معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع في لقاء تلفزيوني، أكد فيه أن الاتفاق جنّب الإسرائيليين القتل مقابل خسارة اقتصادية قائلاً: «ماذا سنخسر من الاتفاق مع لبنان بعد خمس سنوات؟ مليار دولار؟ أو عشرين مليار دولار؟ مقابل يوم واحد من القتال أمام حزب الله، سيسبب لنا دماراً وأضراراً اقتصادية هائلة... ولن أتكلم عن الخسائر البشرية».