النظرة إلى خليج جونية من بعيد، كفيلة وحدَها ببعث الراحة في نفس كل من يتأمّل في جمال هذه المدينة وسحرها. لكنّ تقريب الصورة، والغوص في حياة المدينة وأحيائها، وخاصة في ساعات الليل المتأخرة، يكشفان عن وجه آخر يثير القلق، وينغّص حياة سكانها، حيث تسود وبشكل متزايد وبعيداً عن أي ضوابط، مظاهر تفلّت أمني وأخلاقي، يعزّزه الصدام الحاصل مع فصيلة الدرك المتّهمة من قبل البلدية بالتقاعس عن أداء مَهامها...إلى درجة «التواطؤ».
بين البلدية والدرك
هاجم رئيس بلدية جونية، جوان حبيش، أول من أمس، فصيلة درك جونية متهماً إياها في بيان بـأنها «ناشطة في تكريم المجرمين والجانحين في مكاتبها، ومبدعة في حماية مخالفات البناء للمحظيين... ». وعدّد حبيش في بيانه مآخذ عدة على أداء الفصيلة التي «نُعلم(ها) عن توقيف سارقين أو بائعي مخدّرات بالجرم المشهود فترفض تسلّمهم، ونخبر(ها) عن ضبط عاهرات ومُسهّلي دعارة فترفض توقيفهم. نسوق إلى الفصيلة مُشغّلي قاصرين عنوةً بالتّسول أو بالسرقة فترفض تسلّمهم. نطلب مؤازرة الفصيلة في مهمة ما، حفاظاً على السلامة العامة أو على راحة المواطنين، لا يحضر أحد».
العلاقة المتدهورة بين البلدية والفصيلة ليست وليدة الأمس، وكانت قد تفاقمت منذ أشهر إثر حادث أدى إلى توقيف القوى الأمنية عناصر من شرطة بلدية جونية وسوقهم إلى النظارة، وهو ما أعاد التذكير به حبيش في بيانه من خلال حديثه عن «الفصيلة الناشطة في إهانة شرطة البلدية».
وبعيداً عن اتهامات حبيش، فإن بعض الأحداث التي جرت أخيراً عزّزت من الشكوك حول أداء فصيلة جونية، حيث إنه ومنذ أقلّ من أسبوعين فرّ 19 موقوفاً من نظارة الفصيلة، إضافة إلى سرقة حوالى ألفي ليتر مازوت من مولّد السراي. واقع رفع من منسوب القلق لدى المواطنين، إذ يتساءل أحدهم وهو صاحب مؤسسة سياحية في سوق جونية عن «كيف للفصيلة حماية الأفراد والممتلكات إذا كانت عاجزة عن حماية نظارة ومولّد تحت ناظرها مباشرةً».

حبيش: لا للأمن الذاتي
يصف حبيش في حديثٍ مع «الأخبار» حال المدينة «من منتصف الليل وحتى الساعة الخامسة صباحاً وكأنها حيّ من أحياء البرونكس (حي في مدينة نيويورك ترتفع فيه معدلات العنف والإجرام). منذ بضعة أيام أوقفت شرطة البلدية 16 بائعة هوى من جنسيات مختلفة، بينهن 3 قاصرات تشغلهن والدتهن. بقينا من منتصف الليل وحتى بعد ظهر اليوم التالي بانتظار أن تتسلّمهنّ الفصيلة. لكن لا الفصيلة تسلّمتهن، ولا مكتب حماية الآداب. أيضاً وأول من أمس أوقفنا مشغّل قاصرين في العشرينيات من عمره يضرب طفلاً عمره 3 سنوات ضرباً مبرحاً في الشارع. وتبين أن الطفل من عكار ويجلبه يومياً رجل من طرابلس ويسلّمه للشاب قبل أن يتسلّمه منه مجدداً في المساء. أخذنا الطفل والمشغّل إلى المخفر الذي رفض تسلّمهما، لا بل وكّل مشغّل الطفل ومعنّفه أن يعيده إلى ذويه!! ».
ورغم أن حبيش حرص في بيانه على التأكيد أن «الأمن الذاتي ليس خياراً في قناعتنا. الدولة لنا، ونحن مؤسساتها»، إلا أنه يلفت إلى حدوث عدة حالات حاول خلالها «بعض الشباب ومنذ العام الماضي فرض الأمن الذاتي في أحيائهم، لكننا تصدّينا لهذه الممارسات ودعونا من يرغب في حفظ الأمن إلى الالتحاق بشرطة البلدية. كلنا منعرف كيف ببلش الأمن الذاتي وكيف ينتهي؟».

حياتنا جحيم
لكن، تتبّع الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تُعنى بنقل أخبار مدينة جونية، ومنها الصفحة الرسمية للبلدية، تبيّن ومن خلال التعليقات عن مدى تزايد المطالبات باللجوء إلى الأمن الذاتي لضبط التفلت الحاصل في المدينة. وتشير سيدة تقطن على مقربة من شارع المعاملتين إلى «تحوّل حياتنا إلى جحيم. صحيح أن الممارسات التي تحصل في الشارع ليست جديدة، لكنّ الفوضى الحاصلة أخيراً لا توصف. بائعات الهوى من مختلف الجنسيات يملأن الشارع في الليل، وبات يتعذّر علينا كسكان أن نمشي في الشارع ليلاً من دون التعرّض لتحرّشات ومضايقات. الدولة غائبة عن السمع».
كيف للفصيلة حماية الأفراد إذا كانت عاجزة عن حماية نظارة ومولّد؟


يكشف حبيش أن «الوضع كان مضبوطاً منذ 5 سنوات، لكن منذ حوالى الشهرين بدأت الأمور تخرج عن السيطرة. الدعارة منظّمة ومحمية، والشباب الذين يتولون الأمور على الطرقات آخدين نفس ومكترين! ». وعن الحلول المتوفرة يشير إلى «أننا نطلب من القوى الأمنية القيام بدورها، وإلا لدينا طرق للتصرّف. وعليهم ألا يتحجّجوا بأنهم غير قادرين على التحرّك بسبب الظروف الاقتصادية، فحين يريدون يتحرّكون، لكن فقط على الأوادم».

قيد المتابعة الأمنية
من جهتها تؤكد مصادر أمنية أن «الملف قيد المتابعة للتحقق من كل المعطيات». وتعتبر أنه «وفي حال ثبتت ادعاءات حبيش فإن اكتظاظ السجون وإضراب القضاة أثّرا بشكل كبير على قدرة المخافر على تسلّم بعض الحالات. وفيما يختص ببائعات الهوى اللواتي أوقفتهن شرطة البلدية فالمسألة من صلاحية مكتب حماية الآداب، ورغم هذا فإن الفصيلة أجرت اتصالات مع الجهات القضائية المعنية للبحث في إمكانية تسلمهنّ، وأين يمكن وضعهن، لكنّ البلدية عادت وأطلقت سراحهن. لا يمكن للبلدية القيام بتوقيفات من دون التنسيق مع الفصيلة إلا في حالات محدّدة حين يكون الجرم مشهوداً أو في حالة طارئة جداً، لذلك ندعو لأفضل العلاقات والتعاون الدائم مع البلديات».
اللافت أن المصادر الأمنية توضح أنها «تولي كلّ الملفات الأهمية اللازمة، لكنّ الظروف التي نعيشها حتّمت علينا إيلاء بعض الملفات وخاصة الجرائم والسرقات الأولوية، علماً أن ملف بائعات الهوى لا يمكن معالجته أمنياً فقط، والفتيات هنّ في الأساس ضحايا».