في لبنان برزت أصوات معترضة ومحذرة من الاتفاق معتبرة أن فيه تنازلاً عن مواقع سيادية للعدو. وينطلق أصحاب هذا الرأي من اعتبار الخط 29 هو الخط الفعلي الذي يضمن كامل حقوق لبنان. وقد أورد معترضون مجموعة ملاحظات يمكن اختصارها بالاتي:أولاً: إن فصل التلازم بين الحدود البرية والحدود البحرية قد يجعل لبنان خاسراً لورقة قوة في الدفع صوب البدء بالترسيم البري وإيجاد حل للنقاط العالقة، خصوصاً أن المسودة الحالية تجعل النقاط البرية في موضع ملتبس، خصوصاً في ما يتعلق بنقطة رأس الناقورة ما يؤثر مستقبلاً في أي تعديل في خط الترسيم البحري، وأي محاولة لإجراء ترسيم بري كامل. كما ستبقى «الطفافات» في مكانها من دون أي تعديل، ما قد يتيح للعدو العودة إليها في أي وقت ويمنحه جزيرة أمنية مهمة.
ثانياً: وجود منطقة عازلة (أو آمنة) ضمن الاتفاق، تقع بين الخط «1» و الخط «23» ضمن النقاط الفاصلة عن البلوك «10». وفي ما يتعلق بحقل «قانا»، فقد جعلت المسودة الجزء الجنوبي منه الذي يقع جنوب الخط 23 تحت ما يسمى «السيادة الإسرائيلية» خلافاً لخزانه. علماً أن القانون الدولي يُعطي الحق لدولة ما في التأثير والحركة ضمن المناطق الواقعة تحت سيادتها.
ثالثا: إن حصر المسودة النقاش في حقل «قانا» من دون سواه، يجعل أي حقل يتم اكتشافه مستقبلاً في وضعية ملتبسة لعدم لحظه بمادة في الاتفاق. والمقصود تحديداً الحقول المحتملة مستقبلاً العابرة للخط 23 والتي تحمل نفس صفات حقل «قانا»، والتي تحتاج إلى ملحق لمعالجة وضعيتها. والملحق يعني مزيداً من التسويف والمماطلة. كما أن الإقرار بأن للعدو حقاً سيادياً في قسم من حقل قانا، يجعله حقلاً متنازعاً عليه. والعدو لم يقدم تنازلات حيال اعتبار الحقل لبنانياً كاملاً، إنما اعتبر أن مخزونه مشترك. ويعود لشركة «توتال» - بحسب الاتفاق - تعويض إسرائيل عن نسبتها فيه. ومن الواضح أن الجزء الجنوبي من «قانا» سيصبح منطلق ابتزاز إسرائيلي واضح للبنان، من خلال تهديد استمرار الأعمال فيه عند أي «مطب» سواء أمني أو غيره. وللتذكير، لا تلحظ مسودة الاتفاق أي تنظيم لعملية الحركة فيه، كقاعدة وقوف الحفارة أو السفينة أو عبورها الخط الحدودي على سبيل المثال. كما أن المسودة تركت أمر الحل النهائي لحقل «قانا» لكيان العدو و«توتال»، من دون أي تأثير للدولة اللبنانية، مما يجعل مصير ومستقبل الحقل مرهوناً بدولة عدوة وشركة أثبتت الوقائع السابقة خضوعها للتهديد والرغبة الأميركية بالكامل، ناهيك عن عدم قدرة الشركة من الحصول على ضمانات تتيح لها استمرارية العمل ضمن الحقل. وتجدر هنا الإشارة إلى وضعية حقل «أفروديت» بين قبرص وإسرائيل، والذي توقف العمل فيه منذ عام 2013، رغم العلاقات المميزة بين الطرفين، بسبب مطالبة تل أبيب بحصة أكبر في مخزونه.
رابعاً: يُشير نص الاتفاق الأساسي الموقع بين الدولة اللبنانية و«توتال» إلى أن الاخيرة ملتزمة حفر بئر واحدة في البلوك 9 (أي في حقل قانا) علماً أن عمليات الاستكشاف عادة ما تحتاج إلى أكثر من بئر لتقدير الكميات. وهذا يقود إلى ضرورة العودة إلى المباحثات مع الشركة، مما يجعل حقل «قانا» خارج وضعية العمل لمدة طويلة ريثما يتم التفاهم على الآليات. وبحسب المعلومات، فإن «توتال» لم تلحظ أي ميزانية للعمل في لبنان في مشاريعها لعام 2023. وفي حال تجاوزها للعقبات التقنية، فإنها تحتاج عملياً بين 6 إلى 9 أشهر لإنجاز تجهيز القاعدة اللوجستية والاتفاق والتعاقد مع الشركات التي ستتولى أعمال الحفر. وهذه الأخيرة تعمل وفق جدول أعمال على قاعدة المواعيد. حفر البئر الأولى يحتاج بين شهرين وثلاثة أشهر مع وصول الحفارة وبعد إنجاز العقد، وثمة احتمالات مطروحة بعدم العثور على «كميات اقتصادية» (ربطاً بحالة البلوك رقم 4). وتحتاج الشركة بين 9 و12 شهراً لإجراء عمليات تخمين للكميات المتوافرة (إن وجدت) بالإضافة إلى مدة غير معلومة لتحليل المعلومات. إذاً تحتاج «توتال» في حال كان المسار طبيعياً لعامين على الأقل للبدء في ورشة العمل الحقيقية.