انتظر رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية، عامر الحلواني، أن ينهي مداخلته قبل أن يطلب من "الأخبار" الخروج من جلسة الهيئة العامة، بحجة الإفساح في المجال أمام الأساتذة للتعبير بحرية عن مواقفهم. في هذه الأثناء، كانت قاعة المؤتمرات في مجمع الحدث تمتلئ بالأساتذة المشاركين في اجتماع تقرير مصير إضراب الجامعة. حجم الحضور (نحو 400 أستاذ) فاجأ الرئيس وبعض أعضاء الهيئة التنفيذية، في حين أن المسار الذي سلكته المداخلات، المؤيدة بأكثريتها للاستمرار في الإضراب، جعل الأساتذة يظنون أن هناك سيناريو مدبراً حبكته أحزاب السلطة المكوّنة للرابطة منذ البداية، قضى بإقصاء الإعلام كخطوة استباقية. وبينما كانت بعض المكاتب التربوية طلبت من محازبيها ومناصريها، عبر رسائل نصية، الحضور والتصويت مع فكّ الإضراب، انقسم جمهورها على هذا الرأي، فمنهم من قاطع الجلسة ومنهم من حضر ليصوّت مع استمراره.

في الواقع، الأساتذة مقتنعون بأن الإضراب ليس الحل المثالي، والهيئة التنفيذية للرابطة مسؤولة بالكامل، برأيهم، عن عدم سلوك طرق أخرى للضغط على السلطة من أجل نيل الحقوق سوى هذا الإضراب "المخردق" وغير المؤثر، فيما كان عليها البحث عن حلول وأشكال غير تقليدية في العمل النقابي، ولا سيما في ظلّ الاهتراء الذي يعيشه النظام السياسي ووجود سلطة لا تعمل إلا بمنطق المحاصصة. الأساتذة يشعرون بأنهم مكشوفون نقابياً وليس هناك من أداة تحميهم وتدافع عن مصالحهم، وباتوا غير مستعدين للخروج مرة أخرى خالي الوفاض، من دون تحقيق أي مكاسب حقيقية أضربوا لأجلها أسابيع طويلة.

عدم التزام بالإضراب
في بداية الجلسة، قال الحلواني إن الإضراب الذي بدأ منذ شهرين ونصف شهر تقريباً خُرق بمعظمه، فهناك تفاوت بين كلية وأخرى وبين فرع وآخر داخل الكلية الواحدة، وبين قسم وآخر داخل كل فرع، وقد أعفى هنا من المسؤولية رئيس الجامعة والعمداء والمديرين "الذين كانوا يقومون بواجباتهم لتسيير الامتحانات"، ملقياً اللوم على "الأساتذة الذين لم يلتزموا بقرار رابطتهم". وبعدما عرض الحلواني العطاءات التي نالها الأستاذ من المراسيم المتعلقة بضرب راتبه بـ3 مرات ورفع موازنتَي الجامعة وصندوق التعاضد، أشار إلى أن الرابطة لم تقرّر أي اتجاه للإضراب، وأن هناك رأيين، رأي يقول إن الإضراب "شبه فارط" وينبغي إنهاء كلّ الامتحانات والأعمال الأكاديمية للعام الدراسي الماضي ومن ثم التفكير بمواصلة الضغط مع بداية العام الدراسي المقبل، والرأي الثاني يؤكد أن ما حصل عليه الأساتذة من تقديمات ليس كافياً ويصرّ على الاستمرار في الإضراب. هذا الكلام استثمره حلواني في سياق الجلسة، عندما قال إن الهيئة التنفيذية لم تدع الهيئة العامة لتقرير مصير الإضراب إنما لعرض المعطيات ومناقشة المستجدات واتخاذ التوصيات الملزمة المناسبة"، علماً أن الهيئة العامة بحسب النظام الداخلي للرابطة، هي أعلى سلطة في الجامعة وإليها يعود قرار إعلان الإضراب والرجوع عنه، وما تقرّره ملزم للهيئة التنفيذية ولمجلس المندوبين.
الأساتذة مقتنعون بأن الإضراب ليس الحلّ المثالي


لا للتصويت
بعد ذلك، روت مصادر الأساتذة لـ"الأخبار" تفاصيل أجواء الجلسة التي دامت نحو 3 ساعات عكس خلالها الأساتذة وجعهم وقلقهم من الوضع الذي حلّ بهم وبأبنائهم وخوفهم على مصير الجامعة من سلطة جائرة لم تقرّ الملفات الحيوية من تفرّغ الأساتذة، ودخول الأساتذة المتفرغين في الملاك وإصدار عقود المدربين وتعيين العمداء، كما لم تضع حلولاً منطقية لتأمين عودة سليمة إلى الصفوف، وخصوصاً أن المبلغ المرصود للموازنة التشغيلية للجامعة (500 مليار ليرة) لا يسمح بتسيير التعليم الحضوري، فيما "الكلام عن تطبيق التعليم المدمج (حضوري وأونلاين) كذبة كبيرة، لأنه سرعان ما يتحول إلى تعليم عن بعد نتيجة صعوبة انتقال الأساتذة والطلاب إلى كلياتهم".
وأثار المداخلون مسألة تأخير الحوافز والمنح الاجتماعية لأشهر طويلة، بخلاف المساعدات التي تلقّاها موظفو باقي مكوّنات القطاع العام. ومنهم من دعا إلى مساواة الأساتذة الجامعيين بالقضاة، وآخرون قالوا إن بدل الإنتاجية مذلّ للأساتذة وفيه ضرب للوظيفة العامة لكونه مشروطاً بالحضور الجسدي فحسب، وانتقدوا كيف أن خرق الإضراب ضرب وحدة الأساتذة وأطاح مبدأ العدالة والمساواة بين الطلاب. في المقابل، ثمة من دافع عن أهمية تسيير الامتحانات إنقاذاً لمستقبل الطلاب والجامعة التي تخسر الكثير من أساتذتها وطلابها يوماً بعد آخر.
ولمّا طلب المجتمعون التصويت لمصير الإضراب، رفض الحلواني ذلك ورفع الجلسة بإعلان استمرار الإضراب وإحالة النقاش إلى الجمعيات العمومية في الكليات، علماً أن الجمعية العمومية لا تقرّر إنما ترفع التوصية إلى الهيئة التنفيذية. هذا الأداء أغضب الأساتذة الذين طالبوا بسحب الثقة والشرعية من الرابطة، معلنين أن الهيئة العامة حقّقت انتصاراً على أحزاب السلطة التي حاولت أن تصادر قرارها.