كاميرا القلم
في مقالته «ولادة طليعة جديدة: كاميرا القلم» (1948)، حذر المخرج والكاتب الناقد السينمائي ألكسندر أستروك من أن الشخصية الابتكارية الجديدة التي كانت السينما تكتسبها في بداية الخمسينيات ستصبح «لغة»، و«أعني باللغة، الشكل الذي يمكن للفنان من خلاله التعبير عن أفكاره، مهما كانت مجردة، أو ترجمة هواجسه تماماَ كما يفعل في المقالة أو الرواية المعاصرة. لهذا السبب أود أن أطلق على هذا العصر الجديد للسينما عصر كاميرا القلم. أعني بذلك أن السينما ستتحرر تدريجياً من استبداد ما هو بصري، من الصورة ذاتها، لتصبح وسيلة كتابة مرنة ودقيقة. لغة. هذا الفن، على الرغم من أنه ينعم بإمكانيات هائلة، هو فريسة سهلة للتحيز».


من جهة أخرى، تخلق «كاميرا القلم» تفاعلاً حميماً بين المشاهد والشخصيات، سواء كانت حقيقية أم خيالية، ويبدأ المشاهد، بوعي أو بغير وعي، في إصدار سلسلة كاملة من الاحكام والتقييمات حول شخصية تلفزيونية أو سينمائية. لذلك، قسم لا بأس فيه من السينما، وقبلها الراديو والتلفزيون والصحف والمجلات، أصبح جزءاً مما يسمى بالأجهزة الايديولوجية للدولة. وهذا يتجلى في كثير من الأحيان في فرض السينما شعاراً معيناً من خلال أفعالها وخطاباتها. وقد استغلت هوليوود هذا الابتكار الجديد، ومن خلاله أصبحت غالبية الصور لدى المتلقي الغربي لأماكن مثل اليابان أو روسيا ولأديان مثل البوذية والإسلام، نتاج ساعات من التعرض للشاشة. بهذه الطريقة تغذي هوليوود بعض المتفرجين بصور نمطية وكليشيهات ورموز ثقافية ودينية ومعلومات مغلوطة عن أديان وشعوب اسيء تفسيرها وفهمها مما يكسر ابسط قواعد التعايش بين مختلف الشعوب والثقافات والأديان.

هوليوود والإسلاموفوبيا
أنتجت هوليوود أكثر من 900 فيلم عن العرب، غالبيتها العظمى تشوه صورة الرجال والنساء والأطفال العرب. "Prisoner In the Middle" (1974)، "Black Sunday" (1977)، "Wanted Dead or Alive" (1987)، "The Siege" (1998). ومنذ أحداث 11 سبتمبر، أصبحت الإسلاموفوبيا أكثر صراحة ووضوحاً في الصناعة السينمائية من أي وقت مضى. فأُنتجت أفلام تجارية ناجحة عزّزت رهاب الاسلام، والصور النمطية المهينة للعرب والمسلمين والمجتمعات الإسلامية، وبعضها استهدف المسلمين بشدة ووصفهم بأنهم قتلة مجرمون كارهون للحضارة الغربية. بعد الهجمات، أعطت وكالة المخابرات المركزية قوة دفع جديده لاستراتيجيتها في هوليوود، خصوصاً بعد اتهامها بالإخفاق الاستخباراتي، وشهدت الالفية الثالثة تدخل الوكالة على مستويات عدة في انتاج عدد من الأفلام.


عام 2007، ألقى بول كيلبو المستشار العام السابق لوكالة المخابرات المركزية محاضرة حول علاقة الوكالة بهوليوود. وأوضح أنه في معظم الأفلام يتم تعيين عميل للوكالة لمدة تصوير الفيلم تحت شعار مستشار، لكن وظيفته الحقيقية هي تضليل صانعي الأفلام. في "Zero Dark Thirty" (2012) تم تقديم الهدايا إلى بعض عملاء وكالة المخابرات من أجل الحصول على معلومات سرية لإنتاج الفيلم الذي يصور بشكل درامي مجموعة من وكالة المخابرات المركزية أمضت أكثر من عقد من الزمن في تتبع مقر إقامة أسامة بن لادن. في "Iron Man" (2008) تم توفير التمويل، وفرض البنتاغون لوائح صارمة لتصوير الجيش بطريقة إيجابية. في "Syriana" (2005) كان عميل وكالة المخابرات المركزية على علاقة ودية مع كاتب سيناريو الفيلم والمخرج، وكانت الكثير من أحداث الفيلم مستوحاة من التجارب الشخصية للعميل. تستعمل هوليوود الصور النمطية من أجل إدامة المقولة الخاطئة بأن الإسلام عنيف بطبيعته. وتصور الأفلام الصراعات العسكرية على انها صراع حضارات بشكل درامي من خلال تصوير الشخصيات الإسلامية على أنها غير متحضرة. تبسّط هذه الصور منظور «نحن في مواجهة الإرهاب» لتصوير الاختلاف الديني على أنه أصل الصراع وتعرّف المسلمين على أنهم «العدو».
بعد 11 أيلول موّل البنتاغون والاستخبارات عدداً كبيراً من الافلام السينمائية والتلفزيونية


أفلام مثل "The Hurt Locker" (2008)، "Zero Dark Thirty" (2012) و"American Sniper" عزّزت الإسلاموفوبيا، إذ أنها تكشف طبيعة «العدو» وخاصة العراقيين والافغان والباكستانيين الذين تصفهم الشخصيات الرئيسية بـ«المتوحشين» وتنزع عنهم أي صفة إنسانية وتصل إلى تصنيف المدنيين كتهديد. مع ذلك، فإن التمثيل السلبي للمسلمين ليس المشكلة الوحيدة، إذ تروّج هذه الأفلام لمصطلح «المسلم الصالح»/ «المسلم السيئ». فالسيئ هو الإرهابي بالطبع، أما الصالح فهو من يتعامل مع الأميركيين لتقديم معلومات لهم حول الإرهابيين. ويضم كل فيلم شخصية مسلمة متعاونة أو حسنة النية على الأقل.
الآن، بعدما تغير الكثير في العالم، وانسحبت القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وبعد الحرب الروسية - الأوكرانية، يبقى أن نرى كيف ستتعامل هوليوود مع روسيا «العدو الأول للبشرية»!