في استجابة سريعة ولافتة، قرّر قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر أمس وقف أشغال مشروع «جمع الفائض الشتوي في نبع الطاسة»، بناء على طلب الدائرة القانونية في جمعية «الشعب يريد إصلاح النظام». وبالتزامن مع الطلب المقدم إلى مزهر، تقدّم ممثلو الجمعية بشكوى جزائية أمام النيابة العامة المالية «ضد كلّ من يظهره التحقيق من الأشخاص والمؤسسات العامة بجرائم مخالفة قوانين البيئة والمياه والغابات على خلفية المشروع الذي تنفذّه بعض الجهات على نبع الطاسة ومجراه، والذي ألحق أفدح الأضرار بقرى إقليم التفاح خدمة لجيوب البعض من الساسة والفاسدين». وقرّر مزهر «تكليف الخبير البيئي حسان صفا الانتقال إلى موقع مجرى نبع الطاسة ووصف الموقع والتحقق من وجود أعمال حفر وبناء وقطع أشجار في محيط النبع وإذا ما كانت تلحق ضرراً بمجرى المياه والنبع، ووقف كل الأشغال لحين ورود التقرير. وذلك تحت طائلة دفع غرامة مئة مليون ليرة عن كلّ يوم تأخير أو مخالفة للمنع الراهن». اللجوء إلى القضاء أعقب ثلاثة أسابيع من الأنشطة المكثفة ميدانياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قام بها عدد من الناشطين وأهالي البلدات المحيطة بالنبع في إقليم التفاح. وتركزت الاعتراضات على المخاوف من «تحويل مياه النبع إلى مناطق أخرى وحرمان مستحقيها من جيرانه وتجفيف مجرى نهر الزهراني الذي يتغذى من النبع».
في المقابل، استعرضت مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، صاحبة المشروع المموّل من منظمة اليونيسيف، مراحله وأهدافه في اللقاءات المتعددة التي عقدها مدير عام المؤسسة وسيم ضاهر مع الجمعيات الأهلية والناشطين. لكن السمة الغالبة كانت «انعدام الثقة بالدولة ونواياها وحسن تنفيذها للمشاريع».
في حديث لـ»الأخبار»، أعلن ضاهر التزامه بتنفيذ الحكم القضائي، لكنه وصفه بـ»الخطأ الكبير والقرار المتسرّع الذي يحرم 300 ألف مواطن من حقهم بالمياه». وإذ توعد باستئنافه بالطرق القانونية، لفت إلى أن القاضي «لم يتصل بنا لمراجعتنا عن المشروع، أو استدعائنا للتحقيق بشأنه. وقد علمنا به من الإعلام». واستغرب ضاهر «حملة التشويه التي تقف خلفها مجموعة صغيرة». لكن الاستغراب الأكبر سجله ضاهر على المصلحة الوطنية لنهر الليطاني التي طلبت من اليونيسيف وقف تمويل المشروع إذ «لا صلاحية لها للتدخل»، مؤكداً بأن المؤسسة «كلّفت دار الهندسة بإجراء الدراسات، وقامت بدراسة الأثر البيئي، ونالت موافقة وزارتي الطاقة والمياه والبيئة».
إشارة إلى أن المشروع يستثمر المياه السطحية الفائضة من المنشآت المحيطة بالنبع العائدة للمؤسسة، بدلاً من هدرها في البحر، خلال فصل الأمطار، على أن تحوّل المياه الفائضة عبر الجاذبية في شبكات مستحدثة إلى 25 بلدة في إقليم التفاح والنبطية. كما يشمل بناء وتأهيل وتطوير وصيانة مباني المؤسسة ومنشآتها الخدماتية القائمة التي كانت قد تعرّضت للتدمير خلال عدوان تموز 2006. ومن المنتظر بأن يتكرّر المشروع نفسه في نبع البراك (الزهراني) وينابيع الرشيدية (صور) ونبع علمان (مرجعيون)، وذلك في إطار «الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه» التي أقرّها مجلس الوزراء للانتقال من الاعتماد على المياه الجوفية، إلى المياه السطحية والفائضة خلال الشتاء، بتقليص الاعتماد على الطاقة الكهربائية والمولدات العاملة على المازوت في ظل فقدان الطاقة الشمسية خلال أشهر الأمطار.