لو قدّر للقاضي طارِق البيطار أن يكون له «شفيع» يحميه لما وجدَ أفضل من القاضي سهيل عبود. قد تكون المشكلة في المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، بقدر ما هي في رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي وجدَ في البيطار ورقة يستخدمها لتكريس واقع جديد في «العدلية»، يقوم على اختصار القضاء بشخصه من جهة، واستخدام البيطار لتقديم أوراق اعتماده السياسية للخارج من جهة أخرى.ما حصل أمس في جلسة المجلس الأعلى للقضاء أكد أن عبّود لا يزال مستمراً في نهجه التعطيلي، ممارساً «الطقوس» ذاتها: التسييس، التطييف والالتفاف على القوانين. ففيما كانت مهمة مجلس القضاء الأعلى تسمية قاضٍ رديف للبيطار، وقفَ عبّود، وإلى جانبه القاضي عفيف الحكيم، مهدّداً بالانسحاب من الجلسة وإفقادها نصابها، بعدما صوّت بقية الأعضاء على تسمية قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار قاضياً رديفاً، وأكد أنه لن يوقّع المحضر، قائلاً «أنا لم أطرح المسألة على التصويت». علا الصراخ داخل الجلسة، بخاصة بعدما طلبَ عبود مهلة أسبوع إضافية ليجتمع بوزير العدل هنري خوري، فأجابه الأعضاء بأن «الوزير هو من أرسل الاسم وعلينا أن نصوت إما بنعم أو بلا، والغالبية صوّتت». وبعدَ حشره، حاوَل عبّود طرح مقايضة قضائية سائلاً الأعضاء إن كانَ أحد «يضمن توقيع وزير المالية لمرسوم تعيين رؤساء غرف التمييز والرئيس الأول الذين يشكلون الهيئة العامة لمحكمة التمييز بالتركيبة التي يريدها عبود، لكن أحداً لم يضمن ذلك». احتدمَ النقاش بينَ عبّود وأعضاء المجلس، متهماً نصار بأنها «عونية» ولهذا «لا يريد أن يصوت لها»، علماً أنه «كانَ يريد تمرير أسماء أخرى مثل فادي عنيسي وسامر ليشع اللذين لا يخفى على أحد توجههما السياسي».
اتهام عبود لنصار بأنها «عونية» يبدو أقرب إلى «المزحة» السمجة، بعدما ارتكب هو أخطاء في ملف المرفأ زادت فوقَ الانقسام السياسي في الجسم القضائي انقساماً طائفياً، محرضاً ضد كل من يمس بالقاضي البيطار ومانعاً أي قاضٍ من اتخاذ قرار في حقه رغم كل تجاوزاته. ولأن التجاوزات مسموحة لعبود والبيطار فقط، كانَ لافتاً أن رئيس مجلس القضاء الأعلى التقى قبلَ الجلسة بالقاضية جمال خوري التي تلكأت قبلَ العطلة القضائية، بطلب من عبود، في البت بطلبات نقل الدعوى من البيطار التي قدمها عدد من الموقوفين، من بينهم رئيس اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر ورئيس الميناء في المرفأ محمد المولى، ثم عادت أمس وردّت كل الطلبات بأمر منه أيضاً. ويبدو أن عبّود لن يكتفي بهذا القدر من التعطيل والتجاوز، فقد ألمحَ إلى نيته «عقد الهيئة العامة لمحاكم التمييز بدعوة القضاة المنتدبين في غرف التمييز، من بينهم جانيت حنّا ورندة كفوري وناجي عيد المحسوبون عليه»، وهذا يعني بحسب المصادر أن «هناك أمراً خطيراً يحضر له، قد يكون جمع الهيئة العامة لردّ كل الدعاوى المقدمة من المدعى عليهم في قضية المرفأ أو الموقوفين ضد البيطار من دعاوى ارتياب أو مخاصمة الدولة، وبذلك يعيد عبّود البيطار لممارسة مهامه».
ما فعله عبّود أمس وفي الأسابيع الماضية يؤكد «لعبه على المكشوف»، واضعاً نفسه في موقع سياسي منحاز لفريق على آخر. واعتبرت المصادر أن «المعضلة الأساسية لم تُعد في المحقق العدلي بل في رئيس مجلس القضاء الأعلى نفسه الذي يستخدم القضاء والشارع في خدمة مشروعه السياسي من دون الالتفات إلى ما سينتج من ذلك». فـ «الاستمرار بالتعطيل والسكوت عن ظلم البعض لا سيما الموقوفين في القضية منذ أكثر من عامين بلا محاكمة سيؤدي إلى التصعيد في الشارع ضد القضاء وضده هو شخصياً». إذ «قد نسمع بالمطالبة بإزاحته من منصبه بدلاً من تعيين قاض رديف للبيطار، بعدما أمعَن في ارتكاب التجاوزات والاستثمار في أهالي ضحايا المرفأ وتضليل أهالي الموقوفين وزيادة الانقسام في العدلية، رافضاً أي حلول لا تأتي وفقَ مصلحته»، مصراً على التصرف وفقَ منطق: «أنا القضاء»!