لم يعد اقتحام المصرف فعلاً فردياً بل تحوّل إلى ظاهرة بين ليلة وضحاها. أمس، استنفر أهل الأمن بحثاً عن قاسمٍ مشتركٍ يجمع بين المقتحمين: هل يعرف أحدهم الآخر؟ هل هناك من يُحرّكهم؟ وهل التحرّك عفوي أشعل شرارته نجاح الاقتحامات السابقة لمودعين تمكنوا من سحب ودائعهم أم أنّ هناك قطبة مخفية؟ وهل هناك تواطؤ أمني أو عسكري شبيه بانكفاء الجيش يوم انطلقت تظاهرات 17 تشرين 2019؟ ولماذا تُهلّل وسيلة إعلامية تحمل لواء الدفاع عن المصارف لـ«بطلة» نجحت في سحب وديعتها، بعدما وقفت هذه الوسيلة وغيرها على مدى الشهور والسنوات السابقة في الصف المقابل! وهل هناك ما يدعو للريبة أم أنّ عدوى الحماسة تنتقل بسرعة وسط الغاضبين لضياع جنى عمرهم؟ ولماذا «لمع» في اليومين الماضيين نجم واحدة من جمعيات المودعين دوناً عن غيرها؟تزدحم كل هذه الأسئلة من دون جواب شاف لدى أي من الأجهزة الأمنية التي تداعت أمس إلى جلسة لمجلس الأمن المركزي في وزارة الداخلية بعدما تلاحقت عمليات اقتحام المصارف، للبحث في سبل ضبط هذه «الظاهرة». فرغم أنّ المقتحمين أصحاب حقوق، إلا أنّ التوصيف القانوني لفعلتهم هو «استيفاء الحق بالذات تحت تهديد السلاح والسطو المسلّح»!
يجزم أمنيون بأن لا دليل يجمع بين المقتحمين لكن ذلك لا يبدّد تماماً الارتياب في ما يجري


ضبط الأمن كان هاجس المجتمعين رغم أنّ أحداً لم يحرّك ساكناً عندما صدرت قرارات قضائية لمصلحة مودعين بقيت حبراً على ورق، فيما حمى بعضهم، بعناصره، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للحؤول دون استجوابه عن أموال المودعين التي ضيّعها.
يجزم أمنيون بأن لا دليل على أن خيطاً واحداً يجمع المقتحمين، لكن ذلك لا يبدّد تماماً الارتياب في ما يجري. فأحد الذين اقتحموا المصارف أمس لاستعادة وديعته، تبيّن أنّه كان قد اشترى شيكاً مصرفياً بأقل من سعره ووضعه في حسابه أخيراً قبل أن ينفّذ عمليته أمس، ومودع آخر سبق أن انفجر مستودع كان يخزّن البنزين فيه ما أدى إلى تدمير مبان عدة. وفي اثنتين من عمليات الاقتحام الخمس أمس، سُلّم المقتحمان وديعتيهما بمجرد صراخهما مهدّدين. أما الأبرز فكان اقتحام ضابط أحد الفروع مهدداً بالسلاح، فيما تأخر وصول القوى الأمنية إلى هذا الفرع لنحو ثلاث ساعات!
المصرفيون، من جهتهم، يجزمون بأنّ «مؤامرة» تحاك ضدهم، تترافق مع ارتفاع جنوني في سعر الدولار. ويعزو بعضهم هذا الارتفاع إلى طلب سلامة كميات كبيرة من الدولار من شركة OMT من دون معرفة السبب.
تجدر الإشارة إلى أنّ النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات سطّر استنابة قضائية لكافة الأجهزة الأمنية بملاحقة «الأعمال الجرمية المرتكبة داخل فروع عدة مصارف في لبنان والعمل على توقيف المرتكبين وإحالتهم لديه، والعمل على كشف مدى ارتباطها ببعضها وتوقيف المحرضين، باعتبار هذه الأفعال تشكل بتفاصيلها عمليات سطو مسلح على المصارف.