اختار تكتل «نواب التغيير» أن تكون لقاءاته ببقية الكتل النيابية لشرح مبادرته الرئاسية في مراكز أحزاب الكتل لا في مكاتب مجلس النواب، عدا عن أن الصور الموّثقة للزيارات بمثابة قطعة «بازل» نقلت المفاوضات من المؤسسات الدستورية إلى خارجها، في استكمال مشهدية لقاءات عين التينة والمختارة وقريطم وحارة حريك.بإيجابية عالية يتحدث وفد نواب «التغيير» من على منابر الأحزاب التقليدية الخصمة، كخلاصة طبيعية للقاءات شرح خلالها مبادرته الرئاسية «الإنقاذية» القائمة في شقها السياسي على «لبننة الاستحقاق، وانتخاب رئيس توافقي وتجنّب الفراغ تبعاً لخطورة المرحلة». وهي تماماً «ردّية» الأحزاب الحاكمة قبل كل استحقاق رئاسي. فأحد منها لا يعترف بارتهان قراره لقوى إقليمية أو دولية تطبخ تسويات الرئاسة. وجميعها تبرر تطيير نصاب الجلسات مداورة، ولو امتد الفراغ لعامين.

مسار الجولات
على هذه العموميات، تنتهي غداً الجولة الأولى من اللقاءات، و«زبدتها» كانت زيارة حارة حريك. بحسب مصادر تكتل «التغيير» طُرِحت على طاولة حزب الله، إلى جانب ملف الرئاسة، عناوين عدة أهمها السلاح. وتصف الجلسة بـ«جردة حسابٍ سريعة للمرحلة السابقة. سمعنا موقفهم وسمعوا موقفنا من السلاح، ونلتقي وإياهم على الحصرية لا على الكيفية والتوقيت. وهو موضوع يُبحث على الطاولة لاحقاً. فلا نتصوّر أن هم الناس اليوم النقاش بالسلاح قبل الأزمة الاقتصادية». الأهم، برأي المصادر، أن «حواراً جدياً وصريحاً، ومن دون قفازات فُتِحَ مع الطرف الأقوى في البلد».

(هيثم الموسوي)

من المحطات اللافتة في الجولة اللقاء مع وفد كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة النائب علي حسن خليل ولقاء تكتل «لبنان القوي» برئاسة جبران باسيل. اللقاء الأول رسا على «ترك عين التينة الأمور مفتوحة من دون إعطاء أجوبة، ما عدا عدم التوافق على رئيس من خارج الاصطفافات». وتفيد ما نقلته مصادر النواب الـ13 من أجواء بأن «الرئيس نبيه بري سيدعو إلى جلسة انتخابٍ قبل نهاية المهل الدستورية». أما اللقاء الثاني فتخللته «حركة استعراضية» مع مغادرة النائبة سينتيا زرازير اللقاء بسبب «كمية النفاق والاستخفاف بعقولنا»، على ما عبّرت زرازير. إذ أن «باسيل كان يتحدّث عن مشاركته للناس معاناتهم جراء الأزمة وتحديداً المصرفية، ما دفع زرازير إلى المغادرة التي لامها عليها عدد من زملائها في التكتل».
مع القوات اللبنانية سيختتم وفد «التغييريين» جولته، وهو يعوّل على «اقتناع سمير جعجع بأن الرئيس الأصلح للبلد هو التوافقي لا رئيس المواجهة». إلا أن العبرة في خواتيم الجولة الثانية التي تبدأ مطلع الأسبوع المقبل، على الكتل عينها، ووفق المعطيات، ستخصص هذه الجولة لعرض أسماء 3 مرشحين يطرحهم «تكتل التغيير» لمنصب الرئاسة وليسمع من الكتل الأسماء التي تدعمها. بعد ذلك تبدأ «مرحلة الجوجلة ويُبنى على الشيء مقتضاه».

وهم الثورة
لم يستسغ الجمهور التشريني جولات نوابه. إذ عارضتها معظم قوى ومجموعات وحركات «انتفاضة 17 تشرين»، وناخبون في الداخل والاغتراب صوّتوا ضد «النظام». في رأي هؤلاء، كرّست الجولة، عملياً، اعتراف «التغييريين» الأول والرسمي بمن لحّنوا له «الهيلاهو»، وبمن وصفه بعضهم بـ«الإرهابي»، وبمن ركب موجة الانتفاضة، وبكل طرف قالوا إنه مستولٍ على الحكم وفاقد للشرعية. وهم في الأصل اعترفوا بكل هؤلاء منذ لحظة خوض الانتخابات ومساهمتهم في تجديد الشرعية، ويقومون اليوم بالاعتراف بما تمثل أحزاب النظام من شعبية توازي 90% من المجلس النيابي، مقابل تكريس أنفسهم كطرف ولاعب سياسي يدخل في حسابات موازين القوى بعد التهميش الذي طاولهم، خصوصاً أنهم مدركون أن رئاسة الجمهورية تحكمها تسويات وتفاهمات أبعد من الحدود، وأن لبننة الاستحقاق وانتخاب شخصية من خارج الاصطفاف السياسي لن تتحققا لمجرد مطالبتهم بهما، تماماً كإدراكهم بأن إسقاط النظام ما كان ليتم لمجرد رفع الشعار في الساحات.
كرّست الجولة، عملياً، اعتراف «التغييريين» الرسمي بكل من انتفضوا ضده وبمن ركب انتفاضتهم

إلا أنه في حينها كانت هناك حاجة لبيع المنتفضين أوهاماً يتعلقون بحبالها، وما تفاجئهم اليوم من خطوة نوابهم إلا لأن أحداً لا يريد مراجعة التجربة ومصارحة الناس بضرورة الاقتناع بأن لا ثورة قامت ولا انتفاضة يبنى عليها، ولا 17 تشرين هي مرجعية، بقدر ما هي حركات احتجاجية أساسية في تاريخ البلد كان يمكن البناء عليها قبل فوات الأوان.
في المبدأ اجتماع تكتلات نيابية بعضها ببعض أمر طبيعي. لكن يؤخذ على النواب الـ13 أنهم جهّلوا الفاعل وعمّموا مسؤولية الخراب على المنظومة، من دون الدخول في تسمية الأمور بأسمائها، تماماً كما تفعل قوى السلطة. من ارتضى التغيير من الداخل وقبل مجالسة خصومه، لم يدرس جيداً كيف ومتى ولماذا وبأي شروط يمكن إحداث «التغيير».




«التغيير» عبر التعطيل؟
جولات نواب «التغيير» على أحزاب النادي السياسي التقليدي، سبقها مطلع آب الفائت اجتماع أثار بلبلة لدى ناخبيهم، ضم نواب «التغيير» (باستثناء النائبتين حليمة القعقور وسينتيا زرازير) إلى جانب نواب «سياديين» و«مستقلين»، تقدمهم أشرف ريفي وفؤاد مخزومي ونواب «الكتائب». وعلم أن اللقاء كان يسعى إلى إعادة إحياء حلفٍ هواه 14 آذاري، ينضم إليه الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية. إلا أن لقاء وليد جنبلاط بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا خلط الأوراق وأطاح بـ«المخطط» الذي كان يهدف إلى التنسيق «لتعطيل نصاب أي جلسة لانتخاب رئيسٍ محسوب على حزب الله من ضمن اللعبة الدستورية».
المفارقة أن دعوة عشاء في منزل نجاد عصام فارس سبقت هذا اللقاء، وبحسب المعلومات «جمعت عدداً من الشخصيات و3 موظفين من السفارة الأميركية، ونواب التغيير، وانسحبت منه القعقور وزرازير رافضتين الجلوس مع ريفي».
مواكبون لحراك دار الفتوى يضعون أيضاً دعوة المفتي عبد اللطيف دريان النواب السنة إلى لقاءٍ في 24 الحالي، في سياق «خلق جبهة تجمع النواب السنة في مواجهة مرشح رئاسي يدور في فلك حزب الله ويغضب السعودية»، و«تأمين غطاء لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حال لم يؤلف حكومة جديدة قبل انتهاء العهد». وفيما رفض كل من إبراهيم منيمنة وحليمة القعقور تلبية الدعوة، قرّر وضاح الصادق الحضور، ولم يعلن ياسين ياسين موقفه لكنه راغب، فيما لم يحسم رامي فنج موقفه.