قد تكون عبارة «خروج لبنان عن الخدمة» هي الأدقّ لتوصيف المرحلة الراهنة، لا على خلفية إضراب موظفي «أوجيرو» وحسب، وإنما بالنظر إلى فقدان القدرة على ممارسة الحياة بطبيعتها على وقع تهاوي القطاعات الواحد تلو الآخر، وليس آخرها قطاع الاتصالات. سقوط مراكز خدمات «أوجيرو» تباعاً يدقّ جرس إنذار بأن البلد سيكون أمام شلل في التواصل المالي والتجاري محلياً ومع الخارج. هذا الواقع وحساسية الدور الذي تقوم به «أوجيرو»، وتأثيره على مختلف القطاعات، تدركه السلطة السياسية التي استنفرت بوجه الموظفين بداية.بصفته وزير الوصاية على «أوجيرو»، يؤدي وزير الاتصالات جوني القرم دور الوسيط بين الموظفين ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. أول من أمس، بعد اجتماعٍ صاخب مع الموظفين، نقل القرم مطالبهم إلى ميقاتي، وهم يطالبون هذا الأخير بتوقيع وإصدار أربعة مراسيم متعلقة بتطبيق مراسيم بدل النقل والمساعدة الاجتماعية وبدل الإنتاجية اليومي وغلاء المعيشة. ففي أواخر تموز الماضي، أقرّت اللجنة التي كانت تتابع إضراب موظفي القطاع العام، الذي دام لأكثر من شهر ونصف شهر، مجموعة مساعدات مالية ترقيعية للضغط على الموظفين لفك إضرابهم أو التعرض لإجراءات تأديبية. على إثرها، وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون ثلاثة مراسيم، الأول قضى بتعديل بدل النقل للعاملين في القطاع العام بكل مسمياتهم من 65 ألف ليرة ليصبح 95 ألفاً عن كل يوم عمل فعلي. والثاني قضى بإعطائهم تعويض إنتاجية يتراوح حسب درجة الموظف بين 150 ألفاً و350 ألف ليرة عن كل يوم حضور إلى العمل. والثالث سمح للعاملين بالحصول على مساعدة اجتماعية موقتة تعادل راتباً شهرياً، على ألّا تقلّ قيمتها عن مليونَي ليرة ولا تزيد على 6 ملايين، وذلك لمدة عام. وقبلها كان قد صدر مرسوم غلاء المعيشة في أواخر أيار الذي ينص على زيادة الأجور على الشكل الآتي: للأجر الشهري الذي لا يتجاوز 4 ملايين، 1325000 ليرة. للأجر اليومي الذي لا يتجاوز 182 ألفاً 61000 ليرة. أما إذا تجاوز الأجر الشهري 4 ملايين أو اليومي 182 ألفاً، فتترك الزيادة لاتفاق الأجير وصاحب العمل.
لم يحصل موظفو «أوجيرو» على ما نصّت عليه المراسيم. ووفق نقيبهم إيلي زيتوني فإن «الموظفين يتقاضون 65 ألفاً بدل نقل، ولم يحصلوا في نهاية شهر آب كما كان مقرراً على تعويض الإنتاجية. أما المساعدة الاجتماعية فلا تزال تصرف وفق المرسوم القديم التي حددها بحد أدنى مليون ونصف مليون وحد أقصى بـ 3 ملايين. كذلك لم يتقاضوا بدل غلاء معيشة». ورغم ذلك، قذف موظفو أوجيرو بإشاعات عن طمعهم، علماً بأن النقابة لم تتطرق إلى زيادة في الرواتب. من جهته، يتحدث القرم لـ«الأخبار» بإيجابية عن أن «صرف المساعدات قد يحصل في غضون أسبوع»، مستنداً في ذلك إلى «اتصال أجراه ميقاتي بوزير المال يوسف الخليل، وأخذ موافقته على الصرف». لكن هذا التعديل في الإنفاق سيرفع اعتمادات «أوجيرو» من 351 مليار ليرة إلى 554 ملياراً، أي بحدود الـ 200 مليار، ما يعيد البحث إلى مشكلة الخزينة الكامنة في التمويل، ويعيد طرح مسألة مصادر التمويل غير المتوافرة، والتي شكّلت سبباً أساسياً لعدم دفع المساعدات كما يفترض في الفترة الماضية، إذ صُرفت قيمتها لبعض الإدارات دون أخرى وبنسب مختلفة. في هذا الصدد، يشير القرم إلى أن «الخليل سيعرض يوم الاثنين على الحكومة دراسة طلبها منه ميقاتي، حول خطته لتأمين الإيرادات». موافقة الخليل تطال 3 مراسيم، بدل النقل والمساعدة الاجتماعية وتعويض الإنتاجية، ليبقى مرسوم غلاء المعيشة مدار خلاف بين القرم والموظفين. الوزير يرى أن هناك إشكالية قانونية في تطبيقها، وسيطلب رأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، فيما الموظفون يصرّون على أنهم يستحقونها.
من المرتقب إذاً أن يكون الأسبوع المقبل حاسماً في قضية إضراب «أوجيرو»، إلا إذا تهاون ميقاتي والخليل في تقدير تداعياته على البلد ككل، وتناسيا أن قطاع الاتصالات اليوم في عصر العولمة الكاملة يصحّ وصفه بشريان الكون. وبالفعل، بدأت الأصوات تعلو من أكثر من طرف وجهة، مطالبة بالتدخل العاجل لارتباط الشبكة بتسيير مختلف الأعمال في القطاعين العام والخاص، وتأثيرها على شركات الخدمات على أنواعها التي هي في تواصل مستمر مع الزبائن، كذلك على المستشفيات ونشاط الصليب الأحمر الخ... صرخات التململ تلك، رأى فيها زيتوني «برهان لقيمة قطاع الاتصالات، وعمل أوجيرو الذي لم يتوقف لا في ثورة ولا في حرب ولا في ظروف اقتصادية رديئة، وهي الشريان الحيوي الذي يربط لبنان بعضه ببعض وبالخارج». المقاربة من منظار الموظفين مختلفة، يدافع عنها نقيبهم بسؤاله «كيف يمكن أن نحمل وزر الدولة كلها، باقتصادها ومؤسساتها، ومواطنيها الذين بعضهم يشتكي لنقص أصاب رفاهيته، ونحن إذا قصدنا الوصول إلى أعمالنا يومياً، قد تجوع عائلاتنا، وخاصة أننا نعمل 7 أيام في الأسبوع وعلى مدار الـ 24 ساعة». فلنتذكّر أن ما وراء الـ«Allo» موظفين بمداخيل محدودة لا يتجاوز معدلها الوسطي الـ 5 ملايين ليرة، في بلدٍ تحتاج فيه الأسرة إلى ما لا يقل عن 15 مليون ليرة كحدٍ أدنى للعيش.


القطاع يتّكئ على «أوجيرو»
تؤدي هيئة «أوجيرو» دوراً مهماً في إدارة قطاع الاتصالات، إذ إن الدولة تستقدم الإنترنت وتبيعه عبر «أوجيرو» للشركات الخاصة العاملة في مجال توزيع خدمات الإنترنت. لذا، فإن الإضراب يعني التوقف عن تزويد السنترالات بالمازوت والإحجام عن أعمال الصيانة وإصلاح الأعطال التي طرأت وستطرأ على الشبكات وأدّت إلى عزل بعض المناطق بعضها عن بعض. بعض شركات القطاع الخاص عرضت في اليومين الماضيين القيام بأعمال الصيانة وتعبئة المازوت للسنترالات. هذا الواقع وحساسية الدور الذي تقوم به «أوجيرو»، وتأثيره على مختلف القطاعات، تدركه السلطة السياسية التي استنفرت بوجه الموظفين بداية.