منذ نهاية عام 2019 عقب الانهيار المالي والنقدي، ومباشرة المصارف باتخاذ إجراءات غير قانونية بحق أصحاب الودائع، كوضع سقوفٍ للسحب وتقليصها تدريجياً، ومن ثم إيقاف السحب نهائياً بالدولار والتحكم بالسحوبات بالليرة وغيرها من أساليب سرقة ودائع الناس، ظهرت تشكيلات وأطر نشطت للدفاع عن حقوق المودعين واستعادة أموالهم، أبرزها ثلاثة: «رابطة المودعين» و«جمعية المودعين» و«صرخة المودعين»، قبل أن تنشقّ إلى «صرختين»! الرابطة والجمعية تقدمتا بطلب علم وخبر من وزارة الداخلية في عهد حكومة حسان دياب، إلا أن وزير المال آنذاك غازي وزني رفض بذريعة أن استعادة أموال المودعين من صلاحيات السلطة السياسية ممثلة بوزارة المالية لا الجمعيات.بالتزامن مع التحركات الشعبية التي كانت ما زالت مستمرة في أواخر 2019 وبداية 2020 رغم فقدان الشارع زخمه في حينها، تركّزت تحركات «جمعية المودعين» برئاسة حسن مغنية أمام مصرف لبنان والسرايا الحكومية بشكلٍ أساسي، وأمام المصارف في حالات مواكبة المودعين. أما «رابطة المودعين» فأعطت أولوية أكبر للمسار القانوني. لا رئيس للرابطة، وإنما إدارة أفقية عبر لجان شكّلها 15 ناشطاً أغلبهم محامون واقتصاديون، وانتسب إليها 300 مودع. تقدّم اللجنة القانونية الاستشارات وترفع الدعاوى لمصلحة المودعين، فيما رسمت اللجنة الاقتصادية الموقف الاقتصادي والمالي ومعايير الحل، التي تتشارك و«جمعية المودعين» بوصفها بالمقبولة، كعدالة توزيع الخسائر وحماية متوسطي وصغار المودعين وأملاك الدولة واحتياطي الذهب وشطب أول جزء من الخسائر من أموال المصارف ورؤساء وأعضاء مجالس إداراتها. كما تصدر هذه الأطر مواقف وبيانات حول الخطط والقوانين ذات الصلة بالودائع كـ«الكابيتال كونترول» وخطة التعافي.
دخلت «صرخة المودعين» متأخرة إلى المشهد، في أواخر عام 2020 يوم انشق علاء خورشيد عن «جمعية المودعين»، وأسس وفراس طنوس «صرخة المودعين»، قبل أن تعود وتنقسم إلى فريقين، أحدهما يضم خورشيد ومعه المحامي رامي عليق، وآخر برئاسة فادي طنوس. إلا أن «الصرخة» تبدو كأنها تغرّد وحدها خارج السرب، إذ تتحرك على الأرض فقط بمفردها. كذلك تشكّلت أخيراً، «لجنة حماية حقوق المودعين» في نقابة المحامين، بعد فوز النقيب ناضر كاسبار، برئاسة المحامي كريم ضاهر، وللجمعية والرابطة ممثلون داخلها.
وحدهم من اختاروا المواجهة المباشرة مع المصارف ولو بأساليب عنفية حصّلوا بعضاً من حقوقهم


عملياً، أي تغيير حقيقي في قضية المودعين لم يحدث. ويتبيّن بحسب أرقام مصدرها لجنة الرقابة على المصارف، أنه بين نهاية 2019 ونهاية 2021، سجّل انخفاض في قيمة الودائع بنحو 52 مليار دولار. وسجّلت الفئة (أ)، أي ما يسمّى صغار المودعين انخفاضاً بقيمة 4.6 مليارات دولار، مقابل انخفاض في الفئة (ب)، أي ما يسمّى كبار المودعين، بقيمة 22 مليار دولار. ما يعني أن الفرصة أتيحت لجزء من كبار المودعين، لتهريب ودائعهم إلى جانب تهريب ودائع المساهمين وأصحاب المصارف. أما من لا يملك شبكة مصالح وعلاقات مع المصارف، فقد اختار المسار القضائي. وفي معظم الحالات تولّت الجمعيات والروابط رفع مئات الدعاوى في لبنان، بقيت بدون أحكام لغاية اليوم، مقابل دعاوى قليلة في الخارج ربحت في غالبيتها ضدّ المصارف. اللافت أن القضايا الرابحة داخلياً تنوّعت بين إعادة فتح حساب، وتسديد قروض على السعر الرسمي للصرف (1500 للدولار)، وتحويلٍ إلى الخارج، واسترداد ودائع. أما تلك المتعلّقة باسترداد الودائع فلم تصل إلى أي نهايات.
أمام فشل المسار القانوني أو إفشاله بفعل سطوة المصارف وارتهان الجسم القضائي، يعود السؤال حول إذا ما كان استخدام الشارع مجدداً خياراً فعالاً. بمراجعة للذاكرة، لم تشهد ساحات بيروت والمناطق خلال «انتفاضة 17 تشرين» زخماً كبيراً يعوّل عليه سوى في الأسابيع القليلة الأولى، ومن ثم في ليلة المصارف في كانون الثاني 2020، حين اختتمت التحركات الشعبية الضاغطة فعلاً. استمر المسار الانحداري حتى بتنا نبحث عن المودعين في تحركات الدفاع عن حقوقهم وملكيتهم والتي غالبيتها تصنّف بالهزيلة. الخلفيات برأي مغنية «تعود إلى حالة النكران المسيطرة على شريحة من المودعين الرافضين التصديق أن أموالهم تبخرّت. آخرون لا يزالون تحت تأثير رهبة المصرف، ويخافون إغضابه. وقسم ثالث ليسوا بمودعين حقيقيين بمعنى أنهم يملكون أموالاً طائلة في أرصدتهم تتخطّى ما كانت تسمح لهم وظائفهم بجمعه، وبعضهم موظفو قطاع عام ممن استفادوا من السرّية المصرفية». من جهته، هادي جعفر أحد مؤسسي «رابطة المودعين» يتحدّث عن انتقادات تطال الرابطة إن تحرّكت في الشارع، وأخرى إن لم تتحرّك. إن التقت بنواب أو لم تلتق. ويعيد الأمر إلى «عدم إيمان اللبنانيين بأن ثقافة التحرّك والمطالبة تحقق التغيير نتيجة انحلال العمل النقابي. وظنّاً منها أن الجميع ينشط ويضغط وفق أجندات ومصالح».
إذاً... ما الأدوار المتبقية على الروابط والجمعيات للقيام بها؟