حين تقف السلطة المحلية مكتوفة الأيدي أمام المشاكل التي يواجهها المواطنون، من عدم القدرة على رفع النفايات أو العجز عن تأمين المياه أو مواجهة مافيا المولدات الكهربائية، فبالتأكيد ستنهال على رئيس المجلس البلدي وأعضائه الاتهامات والإهانات. لكن ما لا يعرفه المواطن الغاضب أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على السلطة السياسية التي لم تدفع لصناديق البلديات مستحقاتها المالية المترتّبة لها عن أعوام 2020-2021-2022، عدا إمعانها في استنزاف مالية البلديات منذ ما قبل جائحة كورونا، بإلقاء أعباء إضافية عليها نتيجة تقاعس الوزارات والإدارات العامة عن القيام بواجباتها من صحية وأمنية واجتماعية واقتصادية.
تمنين الفوقا: وزارات بديلة
يشرح رئيس بلدية تمنين الفوقا حسين جانبين أن الدولة، بوزاراتها، تخلّت عن مسؤولياتها المالية والخدماتية وتركت البلديات التي أفلستها في مواجهة الناس، علماً «أننا كبلديات لا نقوم مقام مؤسسات الدولة ولا علاقة لنا بتلك الخدمات». ويعدّد أمثلة منها أن «الوزارات تطلب منا مواجهة عمليات السرقة التي تطاول الأملاك العامة والخاصة كبديل عن الأجهزة الأمنية التي تتخلّف عن تأدية مهامها لعدم وجود آليات أو بنزين أو عديد، كما وتوكل إلينا مهمة إجراء تصليحات كبديل عن مؤسسة مياه البقاع المعنية بذلك، أو في شركة الكهرباء التي تُسرق أسلاكها مع أعمدتها ولا يتوفر لديها قطع غيار وتبديل. حتى وزارة الزراعة تطلب منا مؤازرة مراكز الأحراج لوقف التعديات على الأحراج، فيما تطالبنا الداخلية بقمع التعديات على الكسارات والمقالع، كلّ هذا والدولة لم تدفع لنا مستحقاتنا عن الفصول الأربعة من عام 2020 وحتى اليوم، ولم تتكرّم على الموظفين بزيادة أو احتوائهم بجهة ضامنة ذلك أن كلّ متطلباتهم الاستشفائية والتربوية على عاتق البلدية».
رغم ذلك حقّقت البلدية، منذ بداية ولاية المجلس الحالي في عام 2016، عدداً من المشاريع مثل معمل فرز النفايات من المصدر، والطاقه الشمسية للآبار وإنشاء مستودع للبلدية، وإقامة جدران دعم وتعبيد طرقات، إلى أن توقّف الدفع من قبل الدولة «ودرناها ع شحادة لتسيير أمورنا فقط، خصوصاً أن آخر حوالة مالية كانت 170 مليون ليرة في تشرين الثاني من العام الماضي وهي لا تكفي رواتب الموظفين».

بعلبك: الاستدانة... إلى متى؟
تأخر الدولة في مراعاة وضع البلديات المالي، وعدم دفعها للمستحقات منذ عام 2020، أدخلا البلديات في حالة من الموت السريري، ما دفع غالبيتها إلى «الشحادة» واستجداء الجمعيات التي لا تمنح التمويل لأيّ كان. في حين شكّل حزب الله السند الفعلي لبلديات المحافظة، إذ رفد غالبيتها إما بالمازوت وإما بالتمويل لمشاريع حيوية تخدم أهالي تلك القرى.
تُعدّ بلدية بعلبك أكبر بلدية في المحافظة، وتتعدّى ميزانيتها الخمسة مليارات ليرة، لكنها دخلت مرحلة الاستدانة وأمورها «ماشية بطلوع الروح»، كما يؤكد رئيسها فؤاد بلوق «لا مشاريع في المدينة. أنهكتنا أعطال شبكتي الصرف الصحي والمياه اليومية، وقد وصلنا إلى مرحلة الاستدانة منذ ثلاثة أشهر». يكشف بلوق أن البلدية كانت مديونة بـمليار و300 مليون ليرة عندما تسلّم رئاستها في عام 2019 «ولم أتمكن من تنفيذ أي مشروع، في حين نُفذت مشاريع كثيرة في الولاية الأولى للمجلس البلدي والتي تولى الرئاسة فيها حسين اللقيس ومنها تعبيد طرقات كثيرة».
تواجه بلدية بعلبك أزمة مالية حقيقية، فقد نفّذ عمالها وموظفوها اعتصامات عدة مطالبين برواتبهم، رافعين صوت معاناتهم. لا ينكر بلوق الصعوبات الكثيرة التي يواجهها «ولولا حزب الله ومساندته لنا بتأمين المازوت والرواتب للعمال لما كانت لدينا القدرة على تأمين الخدمات لأهلنا».

دير الأحمر: إقفال الباب
لا يختلف الوضع في بلدية دير الأحمر، التي تقارب موازنتها الثلاثة مليارات ليرة. هي تعاني شحّاً في المشاريع الخدماتية أيضاً، رغم تولي اتحاد بلديات دير الأحمر مهمة رفع النفايات ونقلها، وبالتالي إزاحة تكاليفها عن كاهل ميزانية البلدية. يخشى رئيس بلدية دير الأحمر لطيف القزح من أن تقفل البلدية أبوابها خلال الأسابيع القليلة المقبلة «لتعذّر تأمين رواتب الموظفين والعمال، وأبسط الخدمات الأساسية للأهالي». بحسب القزح فإن رصيد حساب البلدية منذ شهرين «يقارب 300 مليون ليرة فقط، وهذا المبلغ لا يكفي رواتب ومخصصات الموظفين السبعة عشر في البلدية (25 مليون ليرة شهرياً) بالإضافة إلى أعباء المحروقات الخاصة بآليات البلدية».

عرسال: استقالات بالجملة
الامتعاض من أداء المجالس البلدية لا يقتصر على الأهالي فقط، وإنما بات داخل المجالس البلدية نفسها. فمع تقليص الخدمات والمشاريع ارتفع منسوب الخلافات داخل البلديات، لتصل إلى حدّ استقالة أعضاء وحلّ مجالس بلدية، عدا مقاطعة أعضاء لجلسات المجلس البلدي.
في بلدية عرسال استقال ستة أعضاء عام 2019 «احتجاجاً على الهدر والفساد من قبل رئيس البلدية». ومنذ أسبوعين تقريباً تقدمت ريما كرنبي باستقالتها الخطية إلى المحافظ بشير خضر، ليتقدّم بعدها ومنذ أيام قليلة ستة أعضاء بكتب استقالة خطية أيضاً، علماً أن الذين تقدّموا باستقالاتهم يُعتبرون من فريق رئيس البلدية.
لم تتقاضَ مستحقّاتها منذ عام 2020 وتُطلب منها مَهامّ تفوق إمكاناتها


يقول رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري إنه «رغم من أن موازنة بلدية عرسال هي مليارا ليرة، لم نتقاعس يوماً عن خدمة أهلنا، ولا نزال نواصل خدماتنا وندفع رواتب الموظفين ولم نصل بعد إلى مرحلة الاستدانة، وفي صندوق البلدية لا يزال هناك مبلغ عبارة عن راتب شهرين أو أكثر قليلاً للموظفين والعمال، في حين أن رفع النفايات توقف منذ توقف العمل في المجلس البلدي نتيجة الاستقالات». ويرى الحجيري أن «من تقدّموا باستقالاتهم «سيعودون عنها لأن همّنا أن يبقى المجلس ويواصل تقديم خدماته لأهله وناسه».
ويعدّد الحجيري إنجازات البلدية «رغم كلّ شيء، قمنا بشق الطرق الزراعية داخل البلدة وتعبيدها، وزدنا عدد محوّلات الكهرباء من 40 إلى 70 مع الأعمدة، بالإضافة إلى تأمين الطاقة الشمسية لآبار المياه في البلدة، ودفع تكاليف إيجار مدرستين رسميتين لمده سنتين، وإدارة مستوصف صحي ودفع تكاليف العجز فيه، مع تأمين سيارة فان لنقل مرضى الكلى إلى مستشفيات بعلبك، وافتتاح مكاتب لوزارتي الشؤون الاجتماعية والزراعة مع تأدية المتطلبات والتكاليف المالية والعينية لفريق الدفاع المدني وقوى الأمن الداخلي وحواجز الجيش والمدارس».

رأس بعلبك: استقالة وعودة عنها
ليس بعيداً عن عرسال وعلى مرمى حجر منها تترامى بلدة رأس بعلبك. تعاني البلدة أيضاً من خلافات بين أعضاء المجلس البلدي، أسفرت بداية عن استقالة 4 أعضاء، ومن ثم اعتكاف آخرين، كما يؤكد رئيس بلديتها منعم مهنا الذي تقدم بدوره بالاستقالة أيضاً منذ فترة قريبة، وعاد عنها بعد لقائه المحافظ. يعزو مهنا استقالته إلى الديون التي «زادت عن حدّها ووصلت الديون إلى حافة المليار ليرة، فقد تسلّمت ولايتي في عام 2019 وفي ذمة البلدية ديون بقيمة 372 مليون ليرة. صيانة المياه اليومية كلفتها تُراوح ما بين 50 إلى 100 دولار، وهذا مبلغ كسر ظهري مع نقل النفايات، فيما الدولة غائبة كلياً منذ عام 2019». وعلى الرغم من كل ذلك استطاع مهنا بـ»الشحادة» من جمعيات مختلفة أن ينجز 32 مشروعاً حيوياً للبلدة منها الطاقة الشمسية لثلاث آبار مياه تغذي البلدة، وثلاثة خزانات مياه وتصليحات في شبكات الريّ بتأمين قساطل من حي السيدة إلى الحصين، «ورغم هذا كلّه ما حدا ربحام منّية».

شمسطار: وفر في الصندوق
بخلاف كلّ البلديات أعلاه، حقّقت بلدية شمسطار والتي تتبع لها إدارياً بلدات كفردبش ـ بيت الصليبي ـ النبي رشادة، وفراً في صندوقها بقيمة ملياري ليرة مع رصيد كاف لمدة عام لدفع رواتب الموظفين والعمال (12 موظفاً و15 أجيراً ومياوماً) بالإضافة إلى دفع المساعدات المرضية والاستشفائية لهم.
ويرى رئيس بلدية شمسطار سهيل شبلي الحاج حسن أن «الوفر المتحقق يعود إلى التنظيم والإدارة، والخطة التي اعتمدتها منذ ولايتي الأولى في عام 2010، والتي أرسم فيها أولويات البلدة في كلّ عام، وطبعاً من دون توقف الخدمات الأساسية من مياه ورفع نفايات ورواتب موظفين، إذ لا يمكن تنفيذ مشاريع تعبيد طرقات وجدران دعم فيما الموظفون وعائلاتهم يعانون»، لكنه يلفت إلى حصوله على دعم من «حزب الله الذي رفع العبء المالي الخاص بالمازوت وآبار المياه في البلده وتكلفتها التي تزيد على 800 مليون ليرة شهرياً».
تسلّم الحاج حسن المجلس البلدي في عام 2010 بعجز في صندوقه البلدي بقيمة 500 مليون ليرة، في حين عاد وانتُخب في عام 2016 لولاية ثانية وحقّق وفراً في الصندوق بقيمة 4 مليارات ليرة «ونحن شفافون جداً إذ ننشر موازنتنا كل ثلاثة أعوام في المجلة الدورية للبلدية ونضعها بين أيدي أبناء البلدة ليكونوا الحكم».



تحويل الأموال مطلب وجودي
مطلع الشهر الجاري، تداعى رؤساء اتحادات وبلديات بعلبك الهرمل إلى اجتماع طارئ في مبنى اتحاد بلديات بعلبك للبحث بما آلت إليه أوضاع البلديات. وطالب المجتمعون بتحويل الأموال المترتبة للبلديات واتحادات البلديات من الصندوق البلدي المستقل عن أعوام 2020-2021-2022 وتحويل مستحقات البلديات من عائدات الهاتف الخلوي والثابت وعائدات اشتراكات المياه والكهرباء المترتبة لها بدءاً من عام 2019 وحتى عام 2022، وعدم تجزئة هذه المستحقات تحت أي ظرف أو سبب. كما طالبوا بإعطاء البلديات سلفة خزينة شهرية لدفع المساعدة الاجتماعية المؤقتة لعمّال وموظفي البلديات عن شهرَيْ تشرين الثاني وكانون الأول من عام 2021، وعن الأشهر السبعة المنصرمة من العام الحالي وحتى نهاية عام 2022، ولكي تتمكن من دفع بدل النقل الجديد، أسوة بالسلفة التي وقّعها رئيس الجمهورية لدفع المساعدة عينها لموظفي ومستخدمي الإدارة العامة، كما والعمل على مضاعفة حصص البلديات من مستحقاتها.