أعادت وسائل إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي «نبش» حادثة تحرّش قام بها أ.ف. بحق طفل في بلدة المحيدثة في قضاء راشيا منذ سنتين وثمانية أشهر. الخطاب الإعلامي حول حوادث كهذه لا يزال على حاله: «شعبوياً». فحادثة «مثيرة كهذه» تستحق، بنظر وسائل الإعلام، تسريب تحقيقات سرية، والاستناد إلى روايات أهالي البلدة كـ«مصادر موثوقة» حتى تكتمل القصة ويتحقق السبق الصحافي. تعدّى تناول الحادثة إعلامياً ضرب الحقيقة وتخويف الناس من سلسلة حوادث تحرّش «متخيّلة» ليصل إلى حدّ المضاربات السياسية واستسهال إلقاء التهم بـ«لفلفة» القضية لتبرئة الجاني.
رواية الجيش
خلاصة التحقيقات الأولية التي أجرتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التي ألقت القبض على الشقيقين أ.ف (17 سنة) وت.ف. (19 سنة) منذ أيام بتهمة التحرّش بطفل في بلدة المحيدثة تفيد بأنه «خلال التحقيق معهما، اعترف الثاني أن شقيقه تحرّش بالطفل في كراج المنزل وأن والده يعلم بميول شقيقه الشاذة فقام بحجزه في منزلهم، وأنكر قيامه هو بعلاقة جنسية مع أيّ طفل». أما الأول، «فاعترف بحادثة التحرّش الآنفة الذكر، وقيامه أيضاً بالتحرّش بفتيين سوريين من بلدتهم، والدهما يعمل في الزراعة، موثقاً ذلك بفيديوهات على هاتفه». كما فضح «جرائم تحرّش بحق أطفال يمارسها س.غ. الذي تعرف إليه عن طريق ك.ج الذي بدوره يقوم أيضاً بعلاقات جنسية منحرفة كان آخرها مع عنزة».

رواية مغايرة
خلال متابعة القضية، توصلت «الأخبار» إلى رواية أمنية مغايرة كان مصدرها محتداً في الهجوم على وسائل الإعلام التي تمارس «التضليل وتضخيم القصص بهدف الإثارة في خضم الأزمات التي نمر بها». قال حرفياً: «إنها حادثة تحرّش واحدة لا غير قام بها طفل بطفل آخر، وليس هناك حيوانات ولا فيديوهات مصوّرة توثق الحادثة، ولا حتى أسماء عن متهمين آخرين». المثير للسخرية أن «الروايات يؤلفها أبناء البلدة، وتتناقلها وسائل إعلامية، ثم يصدّقون الكذبة ويخافون على أطفالهم من تفشي التحرّش في البلدة».
إذاً، بحسب معلومات أمنية مطلعة على الملف، «هناك متهم واحد هو أ.ف. موقوف في مخفر كفرمشكي التابع لفصيلة راشيا بانتظار مقابلة المدعي العام التمييزي، أما شقيقه ت.ف. فأطلق سراحه بعد تبرئته من التهم». ونفت المعلومات إحالة المتهم إلى محكمة عسكرية كما أشيع، مؤكدة أن «الملف في عهدة المحكمة المدنية»، متوقعة «مزيداً من التأخير في الحكم جراء تعطيل القضاء».
الجدير بالذكر أن الحادثة تعود إلى سنتين وثمانية أشهر بحسب شهادة المدعي التي تتغير باستمرار نظراً لأنه ابن 12 سنة ولا يروي ما يحصل بوضوح، علماً أن المتهم يعيد الجريمة التي اعترف بارتكابها إلى خمس سنوات.

زرازير: «تحمست»
يمكن التوصل إلى نتيجة أن الحادثة لا تزال غامضة ولم تكتمل عناصرها بعد. ومع أن الروايات الأمنية متضاربة، لا بدّ من السؤال عن دور وسائل الإعلام في التأكد من صحة الخبر وانتظار ما تفرج عنه التحقيقات وملاحقة آخر التطورات لمدّ المتلقي بمعلومات دقيقة وعدم الاستناد إلى روايات أهالي البلدة كـ«مصدر موثوق». إشكالية المصادر والحقيقة والموضوعية تُطرح أكثر مع الإعلام الجديد حيث نشر الإشاعات يحصل بكبسة زر، والمتلقي يصدّقها لمجرد انتشارها الواسع. وقد تتجاوز حدود تأليف القصص إلى اتهام جهات وأسماء بالتدخل بالقضية لحماية المتهمين.
بعدما وصلتها أنباء عن توجه لإطلاق سراح المعتدين «المدعومين»، ومن دون التأكد من مدى صحتها، وتوسُّل أهالي البلدة الخائفين على أولادهم لمساعدتهم في منع إطلاق سراحهم «أجبرت على التدخل»، تقول النائبة سينتيا زرازير لـ«الأخبار». فتوعدت في تغريدة «فضح المتدخلين في المسار القضائي وتقديم المعتدين للمحاكمة وإحقاق العدالة حماية لحقوق الأطفال والحيوانات».
تعود الحادثة إلى سنتين وثمانية أشهر بحسب المدّعي و5 سنوات بحسب المدّعى عليه


لم يكن بعهدة النائبة «المتحمسة» أي معلومات بقدر ما هي تحليلات: «إذا تابعتم القصة لن تصدّقوا خروج متهمين بهذه السرعة وإحالة آخرين إلى محكمة عسكرية والتعتيم على جرائمهم من دون تدخل سياسي»، مضيفة «أكيد صار في اتصالات». أما «أسماء المتورّطين في عهدتها» فتتكتم عليها «كي لا تلحق الضرر بالأطفال المتحرشين والضحايا»، على حد قولها.

السهام على «أبو فاعور»
بعد تغريدتها، وربما قبلها، صوّب المغرّدون الهجوم في الساحة الافتراضية على نائب المنطقة في الحزب التقدمي الاشتراكي وائل أبو فاعور الذي «يتدخل في القضاء لحماية ابن منطقته، علماً أن والدة المعتدى عليه من بلدة المحيدثة كذلك». وكان الأخير محتداً في الدفاع عن نفسه، فأصدر بياناً جاء فيه: «في كعب حذائي من الأخلاق والشرف أكثر ممّا في رؤوسكم ورؤوس أسلافكم وأخلافكم، ما يمنعني من التدخل في جريمة مدانة كهذه»، متوعداً «بمقاضاة كل من صرّح أو لمّح لأمر كهذا أمام القانون». حاولنا التواصل معه للوقوف عند أسباب اتهامه شخصياً، لكنه لم يردّ على اتصالاتنا.
في حديث مع الأخبار، يبرّئ رئيس بلدية المحيدثة مروان شرّوف أبو فاعور من هذه التهم «الباطلة» التي تقف خلفها «جماعة الثورة». فيلفت إلى أن «عائلة الجاني زارت أبو فاعور في منزله للتوسّط بإخلاء سبيل ابنها فلم يستقبلها»، ثم يصحّح: «زارت مكتب الحزب». وعن تفاصيل الحادثة، يوضح أن «التحقيقات سرية والروايات التي تتناقلها وسائل إعلام وأبناء البلدة على كثرتها ليست دقيقة».