واصلت «إسرائيل»، أمس، بثّ رسائل تهديد تجاه الساحة اللبنانية، وتوعّدت حزب الله برد غير تناسبي على أي عملية يبادر إليها ضد المنشآت الغازية الإسرائيلية. علماً أن هذه التهديدات تتزامن مع تأكيدات ترد من تل أبيب بأن «الاتفاق مع لبنان بات أقرب من ذي قبل»، ومع التشديد على معادلة باتت هي التي تحكم عملية التفاوض الجارية عبر الوسيط الأميركي: «حقل قانا كاملاً للبنان، مقابل حقل كاريش كاملاً لإسرائيل».لكن الواضح من الرسائل غير المتداولة إعلامياً أن العدو يسعى إلى تقديم عرض يقول فيه إنه تنازل عن كامل حقل قانا وقبل بالخط 23، لكن مع معالجة نقاط على الساحل اللبناني، بما يقود إلى فكرة مقايضة جديدة قد يكون هدفها الإعلامي تسويق العدو في الداخل الإسرائيلي بأنه عقد تسوية ولم يتنازل، وهدفها الفعلي التأثير لاحقاً على الترسيم النهائي للحدود البرية. علماً أن فكرة دفع لبنان إلى تنازل عند النقاط الساحلية من شأنه أيضاً التأثير على الخط البحري الفاصل بين المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من الطرفين.
وفي هذا السياق، ليس واضحاً لـ«إسرائيل» مدى جاهزية لبنان لقبول مثل هذا العرض، خصوصاً أن العدو، كما الأميركيين والأوروبيين، يعتقدون بأن دخول حزب الله بقوة على خط الملف، رسم دائرة حمراء منع بموجبها أي جهة لبنانية من التنازل. وأنه في هذه الحالة سيتم تأخير الاتفاق وعندها يعود الجميع إلى مربع المواجهة العسكرية المحتملة.
ومع أن تل أبيب منشغلة أيضاً بالحديث عن احتمال توقيع الاتفاق النووي بين إيران وأميركا ودول الغرب، ويزور مسؤولون إسرائيليون كبار من بينهم وزير الحرب بيني غانتس واشنطن لهذا الغرض، إلا أنهم سيتطرقون حكماً إلى ملف ترسيم الحدود مع لبنان.
ورغم أن لبنان لم يصدر أي مواقف جديدة بشأن الملف، كان لافتاً الكلام المُسرّب في وسائل الإعلام العبرية عن أن كيان العدو ماضٍ في أعمال التنقيب، وآخره ما نقلته القناة 13 بأن «مسؤولين أمنيين كباراً في إسرائيل أبلغوا الوسيط الأميركي أن من المقرر تشغيل منصة كاريش في نهاية أيلول مهما كانت النتائج». علماً أن هذا الكلام لا يعني شيئاً في حال كان صحيحاً ما يقوله قادة العدو عن احتمال التوصل قريباً إلى اتفاق مع لبنان. لكنهم يأخذون في الاعتبار احتمال أن يرفض لبنان العرض الجديد الذي يفترض أن يحمله هوكشتين قريباً، خصوصاً في حال أصر العدو على مقايضة ما.
أمام هذه التسريبات، تبدو البلاد مكشوفة على خطر انفلات أزمة الترسيم إلى مواجهة قد تخرج عن السيطرة مع استمرار قرع طبولها من المقلب الإسرائيلي، إذ قالت صحيفة «إسرائيل هيوم» إن «إسرائيل وحزب الله يدخلان في واحدة من أكثر الفترات توتراً بينهما منذ حرب لبنان الثانية عام 2006». مع ذلك، استمرت التسريبات التي تتحدث عن قرب إنجاز الاتفاق، وفقَ ما أشارت صحيفة «معاريف» عن أنه «إذا استمرت وتيرة المباحثات بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على شكلها الحالي، فسيتم التوقيع على اتفاق بهذا الصدد الشهر المقبل، والتسوية المتبلورة تنص على تبادل مناطق في المياه الاقتصادية موضع الخلاف».
التوجه الإسرائيلي العملي هو الرضوخ بشكل يكاد يكون كاملاً للمطالب اللبنانية، كما حملها هوكشتين إلى «إسرائيل». وإن كانت تل أبيب تبحث في المقابل عما من شأنه تلطيف صورة الرضوخ عبر إيجاد رواية ثانية، تقول من خلالها إنها تخلت عن أصولها وحدّها البري، نتيجة «حسن الخيرة والسخاء»، كما يرِد في تعبيرات عبرية، وليس نتيجة تهديدات حزب الله. رغم أنها في سياق مساعيها هذه، تجازف عملياً بأن تتسبب لنفسها ما تتجنبه: المواجهة العسكرية، التي دفعتها في المقام الأول «للتنازل والسخاء».
والواضح أن تل أبيب، بمعية الوسيط الأميركي، تعمل على استهلاك الوقت المُعطى لها إلى حدّه الأقصى، مع محاولة خلق ظروف وعوامل جديدة، تُمكّنها من تمديد مهلة الاستحقاق الزمني إلى منتصف أيلول، وربما أيضاً ما يزيد على ذلك، إذ كلما طالت المدة أكثر كان الرهان أكبر على إمكان تحقيق مكتسبات من الجانب اللبناني، في سياق التفاوض الذي باتت سِمته الظاهرة التأخير والمماطلة وتقطيع الوقت من ناحية إسرائيل.
التوجه الإسرائيلي العملي هو الرضوخ بشكل يكاد يكون كاملاً للمطالب اللبنانية


حتى الآن، حقّق لبنان، بفعل دخول المقاومة على معادلة الغاز، رضوخاً إسرائيلياً عبر «تنازل» العدو عن كامل المنطقة التي كانت تسمى «متنازع عليها» (ما بين الخط 1 و 23)، إضافة إلى حقل قانا كاملاً، الذي يتجاوز حده الجنوبي الخط 23. فضلاً عن معادلة حادة جداً يستعصي على «إسرائيل» أن تتجنّبها، وهي ربط حزب الله موعد تفعيل تهديداته، بعملية استخراج الغاز من «كاريش». الأمر الذي يفسر تسريبات وردت على لسان وزراء إسرائيليين، بإمكان تأجيل الاستخراج إلى «أجل غير مسمى لأسباب وعراقيل فنية خاصة بشركة إنرجيان».
أما على المقلب اللبناني، فبعد ما أعلنه المكتب الإعلامي لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن «اتصال مطول مع الوسيط الأميركي أطلع فيه بو صعب على ما توصلت إليه آخر الاتصالات التي أجراها مع المسؤولين الإسرائيليين»، أشارت مصادر مطلعة إلى أن «هوكشتين سيعود إلى المنطقة الأسبوع المقبل»، وأن «هناك اتفاقاً على التوقف عن الكلام والتصريح حتى عودته ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود».