حق الصحافة في تنوير الرأي العام وتوعيته وحق المواطن في التعبير عن الرأي من الحقوق المكفولة في الدستور والقوانين، لكنها لا تعفي من يمارسها من واجب مراعاة الرصانة والدقّة والصدق واحترام الغير، وتجنّب الذم والقدح وتحقير الأشخاص أو الإساءة إليهم. إلا أن الممارسة أثبتت أن التمييز بين التعبير عن الرأي، والموازنة بين الحرية وواجب تجنب الذم، يعتريهما الكثير من الشوائب، ومنها ما يعدّ كمّاً للأفواه أو تحقيراً من دون محاسبة. وفي حالات يثبت فيها التحقير والذم والقدح، نجد القضاء يعتمد سياسة «المسامح كريم»، أو يمارس قسوة في غير موضعها. العلاقة بين القوانين والأخلاق وثيقة ومترابطة وتخضع لمعايير موحّدة. إلا أن الفارق بينهما أن ما يمكن اعتباره لا أخلاقياً يصعب إثبات لا أخلاقيته أمام القضاء لصعوبة إجراءات الإثبات وتعقيدها من جهة، ولأنه قد تكون للقضاء وجهة نظر تتشدّد أحيانا وتتراخى أحيانا أخرى. وفي حالات أخرى، يميّز قانون العقوبات في وجوب الاحترام بين المواطن ورئيس الجمهورية أو بين المواطن وموظف في الدولة أو حتى بين المواطن والنائب والوزير ورئيس الدولة
1. ما هو الذم وما الفرق بين الذم والقدح؟
الذم هو نسبة أمر الى شخص ما ولو في معرض الشك أو الاستفهام بما ينال من شرفه أو كرامته، أي أنه ادعاء واقعة تمسّ شرف الشخص أو اعتباره، أو نسبة هذه الواقعة الى شخص ما. أما التحقير فهو كل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم ينمّان عن التحقير بما فيها تحقير الشعائر الدينية بواسطة إحدى وسائل النّشر أو الحثّ على الازدراء باحدى تلك الشعائر.
إلا أن شرط النشر، أي نشر الذّم أو القدح او التحقير، لازم لاستحقاق العقوبة، ويقضى بالغرامة وحدها اذا لم يقع الذم أو القدح علانية.

2. ما المقصود بـ«وسائل النّشر»؟
تعد وسائل نشر المستخدمة لارتكاب الذم والقدح والتحقير:
1 - الاعمال والحركات اذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للانظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
2 - الكلام أو الصراخ سواء جهر بهما أو نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.
3- الكتابة والرسوم واللوحات والصور والافلام والشارات والتصاوير على اختلافها اذا عرضت في محل عام او مكان مباح للجمهور او معرض للانظار او بيعت او عرضت للبيع او وزعت على شخص او اكثر اياً كانت الوسيلة المعتمدة لذلك بما فيها الوسائل الإلكترونية.

3. هل يعدّ نشر الذم والقدح والتحقير على وسائل التواصل الالكتروني بمثابة جرم يعاقب عليه قانوناً؟
بموجب قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81/2018 أضيفت عبارة «الوسائل الالكترونية» إلى وسائل النشر التي يعاقب عليها قانونا إذا ما ارتكب بواسطتها الذم والقدح والتحقير (المادة 118 منه). ويعتبر النشر الالكتروني للذم والقدح والتحقير جرماً يُعاقب عليه مرتكبه. كما يعاقب القانون التعرض للاخلاق العامة بوسائل النشر الالكترونية.

4. هل تعتبر صحة الواقعة أو اشتهارها مبرراً لنسبتها الى من ناله الذم؟
لا يسمح قانون العقوبات اللبناني لمرتكب الذمّ ان يبرر الذم بإثبات حقيقة الفعل موضوع الذم او إثبات اشتهاره، إلا أن الظنين يبرّأ من الذم إذا كان موضوع الذّمّ عملا ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته حين يكون الذمّ متعلقا بوظيفته، باستثناء الذم الواقع على رئيس الدولة حيث لا يمكن أن يبرأ الظنين ولو كان موضوع الذم عملا ذا علاقة بعمل الرئيس.

5. كيف يلاحق مرتكب الذم؟ وهل يتوقف على الادعاء؟
يتوقف تحريك الدعوى العامة في جرائم الذم والقدح على اتخاذ المعتدى عليه صفة المدعي الشخصي فلا يتحرك القضاء تلقائياً، ولكن يقوم بعض المدعين العامين بتحريك الدعاوى بناء على قانون أصول المحاكمات الجزائية بدون شكوى حين يطلب وزير العدل من النائب العام التمييزي اجراء التعقبات بشأن الجرائم التي يتصل خبرها بعلمه.
يسقط الحق العام، تبعاً لاسقاط الحق الشخصي، اذا حصل هذا الاسقاط قبل الحكم المبرم في الدعوى في جرائم الذم والقدح الواقعة على الافراد باستثناء الجرائم الواقعة على موظفي الادارات والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والهيئات المنظمة وقضاة الحكم بسبب وظائفهم أو صفاتهم وعلى النواب والوزراء، وعلى رئيس الدولة في كل الاحوال.
أما إذا تعرّضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسّاً بكرامته أو نشرت ما يتضمّن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية، تتحرك دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرر. إلا أن الملاحقة تكون أمام محكمة المطبوعات.

6. أين تُلاحق المطبوعات والجرائد ومؤسسات البث التلفزيوني والإذاعي؟
إذا تم ارتكاب جرم الذم والقدح والتحقير بواسطة المطبوعات والجرائد، تكون الصلاحية للمحكمة الخاصة الناظرة في جرائم المطبوعات عملا بالمادة 28 من المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 وقانون البث التلفزيوني والاذاعي، وليس من صلاحية المحاكم الجزائية العادية، بل هي محكمة الاستئناف بالدرجة الاولى. وتختلف العقوبات المنصوص عنها في هذين القانونين عن العقوبات بحق هذه المؤسسات الإعلامية. وبما أن قواعد الاختصاص الجزائي ترتبط بالنظام العام فعلى المحكمة ان تثيرها عفوا ولو لم تطلب المطبوعة أو الصحفي أو الإعلامي ذلك.

7. ما هي عقوبة الذم والقدح والتحقير؟
إن ارتكاب جرم القدح باحدى وسائل النّشر يعاقب عليه:
• بالحبس من شهر الى سنة اذا وقع على رئيس الدولة.
• بالحبس ستة أشهر على الاكثر اذا وجه الى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الادارات العامة، أو وجه الى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من اجل وظيفته أو صفته.
• بالغرامة من عشرين ألفاً الى مئة ألف ليرة أو بالتوقيف التكديري اذا وقع على أي موظف آخر من أجل وظيفته أو صفته.
ارتكاب جرم الذم بواسطة إحدى وسائل النشر يعاقب عليه بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة حتى المايتي ألف ليرة او باحدى هاتين العقوبتين. ويعاقب على القدح والتحقير بالحبس من أسبوع الى ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسين ألفاً الى أربعماية ألف ليرة. ومن حقّر رئيس الدولة أو العلم أو الشعار الوطني عوقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين.
يتوقف تحريك الدعوى العامة في جرائم الذم والقدح على اتخاذ المعتدى عليه صفة المدعي الشخصي فلا يتحرك القضاء تلقائيا


أما ارتكاب تحقير الشعائر الدينية التي تمارس علانية أو الحث على الازدراء باحدى تلك الشعائر فيعاقب عليه بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات.
ويعاقب على تحقير الموظف بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر. اذا كان الموظف المحقر ممن يمارسون السلطة العامة كانت العقوبة من شهرين الى سنة. واذا وقع التحقير بالكلام أو الحركات أو التهديد على قاض في منصة القضاء كانت العقوبة الحبس من ستة أشهر الى سنتين. أما التحقير أو القدح أو الذم الموجه الى القاضي من دون أن يكون لوظيفته علاقة بذلك فيعاقب عليه بالحبس ستة أشهر على الاكثر.

8. هل يعاقب القانون التعرض للآداب العامة عبر الانترنت؟
نعم يعاقب القانون من يتعرض للآداب العامة أو للاخلاق العامة بوسائل النشر الالكترونية بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من عشرين ألفاً الى مايتي ألف ليرة.

يبرأ الظنين من الذم إذا كان موضوع الذّمّ عملا ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته


9. هل يعاقب القانون تحقير الدول الاجنبية؟
يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى سنتين وبغرامة لا تتجاوز أربعماية ألف ليرة بناء على شكوى الفريق المتضرر على ارتكاب إحدى الجرائم التالية:
• تحقير دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني علانية.
• تحقير رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في لبنان.
• القدح أو الذم الواقع علانية على رئيس دولة اجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في لبنان.



القدح والذم الكترونياً


تعتبر الوسائل الالكترونية من وسائل النشر، وهو الأمر الذي عاد المشرّع وأكده صراحةً عندما عدل نص البند 3 من المادة 209 عقوبات بموجب المادة 118 من القانون رقم 81 تاريخ 18/10/2018 المتعلق بالمعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، بحيث أصبح يشمل صراحةً الوسائل الالكترونية كإحدى وسائل النشر المنصوص عليها في المادة 209. وحيث إنه في ضوء ما تقدم بيانه فإن جرمي القدح والذم المرتكبين بواسطة وسيلة نشر الكترونية يعدان حاصلين في أي مكان يصل اليه «موضوع النشر»؛ وبالتالي في إطار الدعوى الراهنة، وفي حال صحة ما نسب إلى المدعى عليها المميزة، يكون الفعل المدعى به حاصلا في مدينة بيروت.
(قرار محكمة التمييز رقم 201 صادر بتاريخ 30/4/2019)


جنحة عادية ...
في معرض ابداء الرأي حول مدى امكانية اعتبار القدح والذم جنحة شائنة أفتت هيئة الاستشارات والتشريع في العام 2005 بأن جنحة الذم والقدح لا تعتبر من الجنح الشائنة بل تعتبر جنحة عادية.
(استشارة رقم 549/2005 تاريخ 9/8/2005)

الذم والقدح في قانون العقوبات:




الذمّ بطريقة غير مباشرة
حين نشرت صحيفة خبرا عن ان احد الأشخاص قد اوقف من قبل القضاء ضمن شبكة «لتهريب المخدرات والاتجار بها»، في حين انه كان قد اسند اليه بموجب القرار الظني انه اقدم على «تعاطي المخدرات»، يكون الخبر المنشور قد تضمن امراً مغايراً للتحقيق لأنه نسب الى المدعي جرماً جنائياً وهو جرم الاتجار بالمخدرات وتهريبها على الصعيد الدولي، في حين ان الجرم المسند اليه كان جرماً جناحياً وهو تعاطي المخدرات كما هو ثابت في نص القرار الظني الصادر في القضية، فيكون العنصر المادي لجريمة نشر الخبر الكاذب متوافراً.
ان نشر الاسم الكامل في عداد اشخاص يؤلفون شبكة لتهريب المخدرات والاتجار من شأنه ان يمس بالتأكيد بشرفه وكرامته وان يشكل بالتالي العنصر المادي لجريمة الذم المنصوص عنها في المادة 385 ف 1 ع. والمصادق عليها في المادة 20 من قانون المطبوعات لحصول النشر بواسطة المطبوعة.
وحيث ان القصد الجرمي المطلوب توافره في جريمة الذم هو القصد الجرمي العام المتمثل بالعمل والارادة، لا يشترط سوء النية او قصد الايذاء والاضرار بالشخص المقصود بالذم لتحقق تلك الجريمة.
وحيث اذا كان القصد الجرمي لا يفترض، في الاصل، افتراضاً، فانه يعتبر مفترضا في جريمة القدح والذم، ما لم يثبت عكس ذلك، عندما يكون الذم والقدح ظاهرين بوضوح في مجرد قراءة النص، اذ انه من البديهي ان يفقه ناشر الخبر او كاتب المقال معنى ما يقوم بنشره او كتابته وان يكون عالماً بالتالي بأن ما يقوم به من شأنه ان يمس باعتبار وكرامة وشرف من يطاوله الخبر.
(قرار محكمة المطبوعات رقم 251 صادر بتاريخ 03/06/2000)