كان القضاة يعلمون أن تهديدهم بالإضراب منذ أيّام لن ينفع، وأن رواتبهم ستبقى على حالها، إلا أنهم انتظروا حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، بعد رفضهم العرض بصرف اعتماد 35 مليار ليرة لبنانية كسلفة خزينة لأن «لا ثقة بأن السلطة ستؤمّن اعتماداً لهذه السلفة أو ستكون آليتها القانونية موجودة في حال الفراغ الدستوري»، مشيرين إلى أنهّم الموظفون الوحيدون الذين لم يقبضوا بعد مقابل عملهم في الانتخابات النيابيّة.انتظر القضاة إحالة رواتبهم ليجدوا أنه بدلاً من زيادتها انخفضت بين 700 ألف ومليون ليرة بفعل ضريبة الدخل. لذلك، لم يجد أكثر من 380 قاضياً أمامهم سوى إعلان الاعتكاف الشامل بعدما تنصّل السياسيون من الآلية التي طُرحت سابقاً بقبض رواتبهم على سعر صرف 8 آلاف ليرة. فيما لم يتمكّن القضاة المعتكفون من الاجتماع كالعادة بسبب أزمة المحروقات، مكتفين بالتنسيق عبر تطبيق «واتساب».
ويشير أكثر من قاضٍ إلى أن القضاة الملتزمين بالإضراب سيتعدى عددهم في اليومين المقبلين الـ400 من أصل 550 قاضياً أي ما نسبته 72%، من جميع القطاعات: مدعون عامون، قضاة تحقيق، أعضاء في مجلس القضاء الأعلى، في المحكمة العسكرية، في ديوان المحاسبة. ويلفتون إلى أنّ من لم يلتزم بالإضراب هم في غالبيتهم مدعون عامون وقضاة تحقيق، مشددين على أن غير الملتزمين نوعان: إما يمتلكون مداخيل غير رواتبهم، أو يريدون المحافظة على علاقات جيّدة مع مجلس القضاء الأعلى لحفظ مراكزهم في التعيينات المقبلة، خصوصاً أن المجلس لم يتبنّ الدعوة إلى الإضراب. ويقول هؤلاء إنهم يدركون أن الإضراب يؤثر في مصالح المواطنين، «لكننا صبرنا لأكثر من 3 سنوات من دون أن تُقدّم السلطة حلّاً».
وحتى الأمس، لم تكن المفاوضات قد بدأت مع السلطة السياسية، وفق ما يروي قضاة يقولون إن سقف مطالبهم هو راتب يوازي متطلبات المعيشة وبدل نقل يمكنهم من المناوبة في مراكز عملهم، «خصوصاً أن معظمنا لا يعمل في المحافظة نفسها التي يقطن فيها». ويسأل هؤلاء: «كيف يمكننا الاستمرار في ظل هذه الأزمة إن كانت رواتب بعض القضاة الأصيلين 3 ملايين ليرة، ومن دون مخصصات استثنائية للقضاة وتقديمات من خارج الراتب، كآليات عسكرية للتنقل أو قسائم محروقات»، مشيرين إلى أن «صرختنا اليوم تأتي على أبواب بدء العام الدراسي، لا سيّما أن قيمة المساعدات المتأتية من صندوق القضاة لم تعد تكفي للتغطية الاستشفائية والمساعدات المدرسية».