ثلاثة أشهر كانت كفيلة باتّساع الهوة بين الحزب الشيوعي اللبناني والنائب الياس جرادة. منذ انتخابه، انتقد «الشيوعيون»، داخل غرف مغلقة، أداء «الحكيم» ومواقفه السياسية، من دون أن تخرج الأمور إلى العلن، باعتبار أن الرجل «يجتهد»، لكنه لم يتخطّ الخطوط الحمر.بلع هؤلاء الموسى، على حد قولهم، لإدراكهم أن جرادة لم يكن مرشحاً مدعوماً من قبلهم وحسب، فهو ابن عائلة لها باع طويل في النضال. على هذا الأساس، عمل «الشيوعي» على «دفش» جرادة إلى الانتخابات النيابية. «والكثير من الشيوعيين دفعوا من مالهم الخاص من أجل حملته الانتخابية ونالوا نصيبهم من الهجوم في بعض قرى الجنوب»، مشيرين إلى أن تعاملهم مع سائر المرشحين كان بحسابات وشروط سياسية، «لكن الأمر كان مختلفاً مع جرادة، إذ أنّه منّا وفينا».
ولذلك، كان طبيعياً، بعد صدور نتائج الانتخابات، أن يتكبّد الأمين العام للحزب حنا غريب ومعه عدد من الكوادر الحزبية مشقّة الوصول إلى عين إبل بعد منتصف الليل للاحتفال بجرادة نائباً من حصة الشيوعي.
لكن الفرحة لم تكتمل. يشير هؤلاء الى «مواقف مستغربة» لجرادة في الأسبوع الأوّل على انتخابه، ولو أن كثيرين وضعوها في إطار «قلة الخبرة السياسية». «كان الأمل أن يكون رأس حربة في مواجهة النظام، لكنه لم يظهر إلا كنائبٍ طوباوي لا يُشبه الحزب الثوري المُجابه لكل قوى السّلطة». هذا ما بدا واضحاً في ظهوره، بعد شهرٍ من انتخابه، في مقابلةٍ مع قناة NBN، قبل أن «يدعس دعسة ناقصة» بالذهاب إلى سوريا للمشاركة في مؤتمر طبي، ما تسبّب بحملة ضدّه وضد الحزب. كما يؤخذ على جرادة تأثّره بسطوة نواب يعتبرون أنفسهم تغييريين – سياديين، وقع في فخ التنسيق معهم خلال جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه، قبل أن يعود عن الخطأ بعدم التشاور معهم خلال تسمية رئيس الحكومة المُكلّف.
ومع ذلك، قرّر «الشيوعي» أن يصبر، تماماً كما صبر على إدارة جرادة الظهر له. فطبيب العيون لم يُشاور قيادة الحزب في أي خطوة قام بها، ولم تطأ قدماه مركز الشيوعي في بيروت. وهذه «غصّة»، وخصوصاً أن زملاء له (كإبراهيم منيمنة وحليمة القعقور وفراس حمدان...) يزورون الوتوات دورياً، فيما النائب الذي فتحوا معركة في الجنوب من أجله يعاملهم كالغرباء. انتظر المنتقدون لجرادة كثيراً قبل أن يقرر الحزب التعامل معه بالمثل، ورفض الشيوعي استقباله الأسبوع الماضي في إطار زيارته لبعض قرى بنت جبيل.

تنسيق مع جعجع؟
مع ذلك، بقي الخلاف بين الطرفين داخل الأطر الحزبية، حتى قرّر جرادة المشاركة مع 15 نائباً في اجتماعٍ تشاوري في مجلس النواب. كان المشهد صادماً. فرك الشيوعيون عيونهم جيّداً؛ بدل تنفيذ ما اتفق عليه من تشكيل نواة نيابية صغيرة (من أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وفراس حمدان...) تقف في وجه أحزاب السلطة وتُراعي البرنامج الانتخابي الذي تم الاتفاق عليه سلفاً، الرجل يُنسّق مع أشرف ريفي وفؤاد مخزومي ونديم الجميّل وغيرهم، في اجتماع يتقاطع وما صدر عنه مع «دعوة سمير جعجع إلى الاجتماع التشاوري». لم ينم الشيوعي على ضيم، فسارع بعد أقل من 24 ساعة إلى إصدار بيان انتقد مشاركة جرادة في الاجتماع الذي وصفه بأنه «تشويه لمضمون التغيير الحقيقي وخروج عن البرنامج الانتخابي الذي التزموا به أمام ناخبيهم والقوى السياسية والشعبية التي أوصلتهم».
في المقابل، فإن لجرادة روايته. إذ يشدد على أن «الأب البيولوجي» لانتخابه ونواب «التغيير» هو «الحالة الشعبية وليس حزباً محدداً»، مشيراً لـ«الأخبار» إلى أنّ لقاءه مع أي طرف سياسي «ضرورة للحوار، إذ أنّ المواجهة لا تكون عنفية في معظم الأوقات، وإنما فتح النقاش والإقناع هو مواجهة». وتمنى أن «يتوسع اللقاء التشاوري (الذي عقد الإثنين في مجلس النواب) ليشمل كل القوى السياسية»، رافضاً تسميات «قوى السلطة وقوى المعارضة». وأضاف: «مسؤوليتي التواصل مع الجميع، وهذا لا يعني أبداً انضمامي إلى أي فريق أو التزامي بمواقفه، فأنا أُحاور شخصيات من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال»، متسائلاً: «هل نحن شركاء في هذا الوطن مختلفون في الرؤية أم أعداء؟ إذا كنا شركاء علينا التحاور مع كل الأفرقاء الذين أتوا بفعل الانتخابات النيابية الديمقراطية». واستغرب بيان «الشيوعي»، مشيراً إلى أنه يتواصل مع الجميع بمن فيهم قيادة الشيوعي، «لكنني لستُ منظماً في أي حزب».
جرادة: أتواصل مع الجميع بمن فيهم قيادة الشيوعي لكنني لستُ منظماً في أي حزب


عضو اللجنة المركزية في الشيوعي جمال بدران قال لـ«الأخبار» إن «الحزب قبل نسج التحالفات الانتخابية، اختار بعناية الأسماء التي يمكن أن يدعمها ووضع برنامجاً مشتركاً مع الحلفاء يُعتبر كمعايير الحد الأدنى التي تلائم الحلفاء ولا تمسّ بالمحظورات، إذ كان الهدف واضحاً وهو عدم التحالف مع أي طرفٍ في السلطة لأن سياستنا واضحة: لا تعامل مع عميل ولا مشتبه فيه بالتعامل ولا سلطوي ولا طائفي». وسأل: «هل كان البرنامج الذي اتفقنا عليه مع جرادة يتيح له الاجتماع مع نواب بعضهم مستزلم للسلطة، وبعضهم يدافع عن النظام الطائفي وبعضهم يقف في صف المصارف، وهل المطالبة بمرشح سيادي لرئاسة الجمهورية تماماً كما طالب جعجع يتفق مع هذا البرنامج؟ وبالتالي ما الذي يربطنا بجعجع أو الجميّل أو مخزومي أو ريفي؟».
وعن عدم تشكيل نواة كتلة من بعض النواب القريبين من برنامج الشيوعي، لا ينفي بدران أن الأمر تقصير من الحزب نفسه إضافة إلى نرجسية بعض النواب، مشدداً على «أننا لا نراهن على التغيير من المجلس النيابي، لكننا نعتبر أننا تمكّنا من إحداث خرق في جدار المنظومة».
وشدّد بدران على «أننا لسنا مع سياسة قطع الرؤوس، لكننا قدّمنا التضحيات في الانتخابات النيابية وقبل الانتخابات ليس من أجل أن نُقدّم التنازلات لهؤلاء النواب»، مُطالباً جرادة بـ«الالتزام بالبرنامج الذي اتفقنا عليه والذي انتُخب على أساسه». فيما يؤكد جرادة أنه ملتزم بالبرنامج الانتخابي، ويقول: «أنا ما زلتُ الياس جرادة ومواقفي ما زالت نفسها»، لافتاً إلى أنه يقدّر تضحيات الحزب الشيوعي، متمنياً أن تكون علاقته بالحزب مميزة.