لم يبحث مجلس القضاء الأعلى، في الجلسة التي عقدها قبل يومين، في مرسوم تعيين قضاة محاكم التمييز الذي أعاده وزير العدل هنري خوري إلى رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود لإعادة النظر فيه، بعد رفض وزير المالية يوسف الخليل توقيعه لـ«عدم مراعاة التوازن الطائفي». الجلسة التي غابَ عنها المدعي العام التمييزي غسان عويدات، أرجأت البحث في المرسوم إلى ما بعد العطلة القضائية، علماً بأن عبّود وفريقه في «العدلية» حاولا الإيحاء، عشية ذكرى انفجار المرفأ، بأن الملف «غير متروك»، وأعادا تعويم المحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار إعلامياً. فيما لا يزال عبود مُصرّاً على حماية البيطار من خلال تعطيل الدعاوى ومنع المسّ به. وفي هذا السياق، علمت «الأخبار»، أن البيطار زار «العدلية» أخيراً، والتقى عبود سراً في حضور القاضية جمال خوري التي كانت تنظر في طلبات نقل الدعوى المقدمة من موقوفين في قضية المرفأ لتعيين محقق عدلي آخر!وبمعزل عن «شبهة» هذه الزيارة، علمت «الأخبار» أن خوري لم تأخذ قراراً في طلبات نقل الدعوى من يد البيطار والتي تقدّم بها عدد من الموقوفين، من بينهم رئيس اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم والمدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر ورئيس الميناء في المرفأ محمد المولى، رغم اكتمال التبليغات، متذرعة بأن الملف «لا يزال قيد الدرس من قبل المستشارين في الغرفة» حتى حلّت العطلة القضائية. وبما أن خوري ستُحال إلى التقاعد في 25 أيلول، بعد أيام قليلة على انتهاء العطلة، فإن ذلك يعني أنها تقصدت رفع الملف عن كاهلها، بعد تلقّيها نصائح من عبود «بعدم بتّ الطلبات عشيّة الذكرى». وبات واضحاً أن التعطيل في بتّ الدعاوى هو من أجل حماية البيطار فقط، مع أن المادة 340 من أصول المحاكمات الجزائية تنصّ على أن «تتولّى إحدى الغرف الجزائية لدى محكمة التمييز مهمة الفصل في طلب نقل الدعوى من مرجع قضائي إلى آخر. وتقرّر رفع يد مرجع قضائي في التحقيق أو الحكم عن الدعوى وإحالتها إلى مرجع آخر من الدرجة نفسها لمتابعة النظر فيها، إما لتعذّر تشكيل المرجع المختصّ أصلاً أو لوقف سير التحقيق أو المحاكمة أو للمحافظة على السلامة العامة وسير العدالة»، وهنا الطلب ليسَ بسبب الارتياب من المحقق العدلي، بل بسبب تعذّر استكمال التحقيقات.
في كل الأحوال، لم يعُد الملف بالنسبة إلى القوى السياسية أو المراجع القضائية سوى مادة للاستثمار، بعدما أصبح مسلّماً به بأنّ الذين صدرت في حقهم مذكرات توقيف لن يخضعوا لها، كما أن البيطار سيظلّ محققاً عدلياً ما دام عبود و«حزبه» القضائي والسياسي والإعلامي يحميه. وبالتالي، فإنّ الموقوفين في القضية حتى الآن، هم وحدهم ضحايا تعطيل الملف، بعدما رفض مراراً البيطار إخلاء سبيلهم، علماً بأن بينهم من قدّم وثائق تثبت عدم مسؤوليته. وكانَ المخرج الوحيد لحلّ هذه المعضلة هو بتّ طلبات نقل الدعوى. فحتى توقيع المرسوم لتعيين رؤساء أصيلين لمحاكِم التمييز لإعادة النصاب إلى الهيئة العامة للمحكمة، إذا تمّ، قد لا يضمن بتّ الدعاوى المقدمة أمامها في ما خصّ كفّ يد البيطار عنها، وقد تتأجل لأكثر من سبب وسبب لتبقى الحال على ما هي عليه، استمرار تعطيل التحقيق مع دخول القضية عامها الثالث.