هذا ما يزيد الضغوط على الطيارين الذين يقوم بعضهم بالطيران بغض النظر عن تعبهم الجسدي أو النفسي أو حتى إن كانوا مرضى بهدف الحفاظ على رواتبهم الشهرية، حتى أنهم يقومون بالطيران يومياً. علماً بأنه أمر غير محبّذ عالمياً بسبب الضغوط التي تسببها ساعات الطيران والقلق الناتج منها، ولا سيما أنه يترتب على الطيارين مراعاة الصحة الجسدية والنفسية للاستمرار في عملهم. الطيار يخضع كل ستة أشهر إلى امتحانٍ نفسي وجسدي للتأكد من جاهزيته، وهذا ما دفع عدداً من الشركات إلى «استئجار» طيارين من الخارج.
ويرفض الطيارون أي اتهام بأنهم استغلّوا الموسم السياحي للمطالبة بتحسين أوضاعهم، بل يجزمون بأن التصعيد سيأتي لاحقاً إذا لم تتحلحل المفاوضات مع إدارة الشركة. ويستعيدون الكثير من «التضحيات»، وفوقها اليوم ارتفاع الطلب العالمي على الطيارين بسبب توقف مدارس تعليم الطيران أثناء انتشار كورونا، وتقاعد عدد كبير من الطيارين خلال هذه الفترة وقيام بعض البلدان بشراء طائرات جديدة. كل ذلك أدى، بحسب نقيب الطيارين إيهاب سلامة، إلى زيادة الطلب على الطيارين للمرة الأولى بالتاريخ، مشيراً إلى أن بعض الطيارين تصلهم عروض عمل من الخارج من دون التقدم للوظيفة مقابل ما بين 3 أضعاف و5 أضعاف الراتب الذي تدفعه «MEA»، ولا سيما أن إعداد الطيار المتمرّس يتطلّب أكثر من 10 سنوات.
ربطت الإدارة 65% من الراتب بساعات الطيران ما يزيد الضغوط على الطيارين ويخالف المعايير العالمية
ما يحزّ في نفوس الطيارين، وفق سلامة، هو «المستوى المعيشي لزملائنا الذين ذهبوا أخيراً للعمل في الخارج، من المساكن التي تؤمنها الشركات الأجنبية والحوافز بالإضافة إلى ارتفاع الرواتب، وهذا ما يزيد الضغوط على النقابة من الأعضاء الذين يريدون منها أن تتحرّك قبل أن يتخذوا قرارهم بتقديم استقالاتهم والهجرة». وهذا ما يخشى منه سلامة الذي يشير إلى أن الاستقالات ستُعرّض المهنة للخطر مع النقص في عدد الطيارين اليوم.
كل ذلك، حتّم على نقابة الطيارين أن تزيد وتيرة اجتماعاتها مع الحوت خلال السنوات الـ3 الماضية للتوصل إلى اتفاق يُرضي الطرفين، إلا أن «سلسلة الاجتماعات هذه لم تؤد إلى أي نتيجة بسبب تقصّد الإدارة اعتماد سياسة إضاعة الوقت والتسويف لعدم إعطائنا حقوقنا»،. ويقول طيارون شاركوا في هذه الاجتماعات إن «التعاطي معنا كان سيئاً. مرّة يقولون لنا أن نحمد ربنا لأنهم لم يطردونا في الوقت الذي كنا نتقاضى به 10% من رواتبنا، ومرة يعطوننا القليل من أجل إسكاتنا، ومرة يطلبون منا الصبر حتى تتمكن الشركة من حفظ مالٍ احتياطي لأكثر من سنة خشية انهيار البلد نهائياً أو تحسباً من ضربة إسرائيلية، قبل أن يصرّح الحوت بالفم الملآن بأنه لن يعمد إلى تحسين الرواتب قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وتوقيع لبنان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية وبعد التأكد من الاستقرار السياسي والأمني للبلاد».
يضحك الطيارون على شروط الحوت «التعجيزية»، قبل أن يؤكدوا أن الإنجازات التي يفتخر بها الحوت، لم يصل إليها إلا إبّان عهود التجاذبات السياسية والأمنية، لافتين إلى «أننا لم نكن لنُطالب بحقوقنا لو كانت الشركة تخسر من أموالها أو كانت تتقاضى على سعر صرف الدولار الرسمي، ولكن أرباح الشركة مرتفعة خصوصاً بعد الحرب الروسية - الأوكرانية وهبوط عدد من الطائرات الذاهبة إلى أوروبا في بيروت».
ولأن هذه الاجتماعات لم تأتِ بنتيجة، أرسلت نقابة الطيارين أمس كتاباً رسمياً إلى الإدارة تُطالبها فيه بـ«تقديم رؤية واضحة لكيفيّة تحسين ظروف الطيارين ضمن مهلة مُحدّدة، وعدم ربط الراتب بالإنتاجية (ساعات الطيران) بهدف الحفاظ على السلامة العامة، بالإضافة إلى الالتزام بالقوانين المحلية والدولية ولا سيما المرسوم الإشتراعي الذي يُحدّد عدد ساعات الطيران».
يأمل سلامة بأن تتعاطى إدارة الشركة مع هذا الكتاب بإيجابية خصوصاً أن الهدف منه ليس تحسين الرواتب وإنما أيضاً الحفاظ على ديمومة الشركة وسمعة الطيارين ومستواهم المهني. أما في حال اعتمدت «MEA» عكس ذلك، فيشدّد نقيب الطيارين على «أننا نتصّرف من موقع القوة والمسؤولية، ولذلك فإن كل الخيارات مفتوحة، ونحن منفتحون على أي حل خصوصاً أن تاريخ علاقتنا بالشركة يصلح لبناء الثقة. كما أن الرأي العام يهمّنا وكذلك الأمر بالنسبة للموسم السياحي الذي نُريد الحفاظ عليه، ولكن أي تصعيد من قبلنا تتحمّل إدارة الشركة مسؤوليته».
ولمنع الطيارين من الإضراب الذي سيُعطّل مطار بيروت بشكلٍ كلي، يسوّق الحوت أمام زواره بأنه قام بجولة على المرجعيات السياسية واستحصل منها على غطاء لطرد أي طيار يتمرّد على الإدارة أو يُشارك بالإضراب الذي يُمكن أن يحصل».