يعيش نزلاء السجون اللبنانية مأساة حقيقيّة في ظل دولة عاجزة ومفلسة: لا هي قادرة على تأمين احتياجاتهم من الطعام والمياه والكهرباء والطبابة والأدوية، ولا هي قادرة على اجتراح حل ترضى عنه كل القوى السياسيّة والطائفيّة لإصدار قانون العفو العام.لـ3000 محكوم قشّة واحدة يتمسّكون بها للنجاة من الموت خلف القضبان: لجان تخفيض العقوبات التي يلجأ إليها المحكومون الذين يتمتعون بحسن السيرة والسلوك وقضوا أكثر من نصف فترة محكوميتهم، أو ممن يعانون من أمراض صحيّة تجعلهم غير قادرين على خدمة أنفسهم داخل السجن أو من مرض ميؤوس من شفائه يهدد حياتهم وحياة الآخرين من السجناء، وذلك وفق ما تنص عليه المادة الرابعة من القانون رقم 463/2002، مستثنياً الجنايات الواقعة على أمن الدولة وعلى المال العام والإتجار بالمخدرات. علماً أنه لا يحق للسجين تقديم طلب في حال رُفض طلبه الأوّل إلّا بعد انقضاء 6 أشهر.
قبل الأزمة الاقتصادية، كانت لجان تخفيض العقوبات الـ6 تُعاني أصلاً من نقص في عديدها يحول دون تغطية السجناء في كافة المحافظات. وتتألّف اللجان الست من قاضيَين أحدهما غير متفرّغ (يتابع كلّ قاض 3 لجان) يعاونهما موظفان ومباشِر، وتضم ثلاثة أخصائيين نفسيين واثنين اجتماعيين فقط لمتابعة طلبات التخفيض في كلّ سجون لبنان. وهؤلاء جميعاً غير متفرّغين ويتقاضون 750 ألف ليرة شهرياً على عضويتهم في كل لجنة (كل طبيب عضو في لجنتَين) من دون أي بدل نقل، علماً أن عليهم التنقل بين سجون المناطق لمقابلة السجناء ورفع تقاريرهم إلى اللجان.
مع ذلك، كانت اللجان «تمشّي الحال». فقد نظرت العام الماضي، مثلاً، في أكثر من 800 طلب قدّمها محكومون، إلى أن «فُقد» الأطباء النفسيون من اللجان تماماً. إذ «لا يمكن للطبيب أن يدفع من جيبه الخاص بدل التنقل إلى السجون»، وفق أحدهم، ما أدى إلى توقف عمل لجان تخفيض العقوبات التي دخلت منذ أكثر من ستة أشهر «موتاً سريرياً». الخلاصة أن كثيراً من الملفات الواردة إلى لجان التخفيض يتعدّى عددها الـ600 تنتظر حل الأزمة.
ووعد وزير العدل هنري خوري المعنيين أنه يعمل على اجتراح حلول لتعود هذه اللجان إلى عملها.
وفيما اقتُرح أن يدفع أهالي السجناء بدل أتعاب الأخصائي النفسي، رُفض الأمر كونه يفتح الباب أمام «شراء الذمم»، فضلاً عن أنه مخالف للقانون الذي ينص على أن يعيّن وزير العدل الطبيب، كما طُرح اقتراح الاستعانة بأطباء يعملون لدى جمعيات تتولى الأخيرة دفع أتعابهم. غير أن أياً من هذه الاقتراحات لم يُحسم بعد.
الراتب الشهري للطبيب النفسي في اللجنة لا يتجاوز مليون ونصف مليون ليرة


وتلفت الناطقة باسم أهالي السجناء عضو جمعية «أهالي الموقوفين في السجون اللبنانية» رائدة الصلح إلى أنّ «كثيراً من السجناء تتم الموافقة على قرار تخفيض حكمهم بعد أن ينهوا فترة محكوميتهم كاملة». وتوضح «أننا طالبنا أكثر من مرة باستحداث لجنة لكل محافظة، وبأن يخصّص وزراء العدل المتعاقبون بريداً لطلبات التخفيض، لأن الأهالي يعانون من تأخّر وصولها إلى اللجان وحتى فقدان بعضها، إضافة إلى تأخر النظر بها بسبب نقص العديد مقارنةً مع أعداد الطلبات».
يقول «أبو عدنان» بكر إن ابنه أنهى محكوميته الأولى وقضى أكثر من نصف فترة عقوبة دعوته الثانية عندما تقدّم بطلب تخفيض. «6 أشهر ونحن ننتظر، والإجابة تصلنا بأن اللجنة معطّلة فيما سينهي ابني فترة سجنه بعد عامٍ». وتشير «أم فؤاد» بزي إلى معاناتها في الاستحصال على الأوراق بسبب الإضرابات المتكررة في قصر عدل بعبدا، إضافة إلى انتظار انعقاد لجنة التخفيض، وتضيف: «قاعدة على أعصابي منذ 6 أشهر. لا أريد إلا أن يجيبوني إذا كان ابني سيستفيد من شروط التخفيض أم سينتظر انتهاء فترة حكمه في أيّار المقبل، كي لا أدفع بدل المواصلات من دون أن أصل إلى نتيجة».
ويؤكد أحد السجناء أنه و10 من زملائه تقدّموا بطلبات التخفيض بعد مرور أكثر من نصف فترة محكوميتهم، مشيراً إلى أنه «لو أن اللجنة انعقدت منذ شهر لكنا اليوم في بيوتنا ومع عائلاتنا».

تكبيل اللجان
الأمل الذي يتمسّك به السجين يحبطه بعض القضاة والمحامين ممن هم على تماس مباشر مع اللجان، إذ يشير هؤلاء إلى أن اقتراحات اللجنة غير ملزمة، وهي تُرفع إلى محاكم الاستئناف في المناطق لتصدر قراراتها المبرمة. علماً أن غرف محاكم الاستئناف التي تنظر في طلبات التخفيض قد تكون نفسها الهيئة الاتّهامية كما هو حاصل في جبل لبنان والبقاع! إذ تردّ الهيئتان، مثلاً، الكثير من الطلبات أو تُحاول تفخيخها بعدم الأخذ باقتراح لجنة التخفيض كاملاً، بل الموافقة على تخفيض شهر واحد من أصل كامل العقوبة، أي أشبه برفضه بـ«احترام».
كما يتحدث هؤلاء عن موانع قانونية تحدّ من عمل اللجنة وتمنعها من النظر في كثير من القضايا حتى ولو شابتها أخطاء قانونية. فالمحكومون في قضايا الإرهاب، مثلاً، بتهم الانتماء إلى مجموعات إرهابية أو الاعتداء على العناصر الأمنية، مستثنون من تقديم طلبات التخفيض حتى ولو تبيّن أن الأحكام في حقهم شابتها أخطاء. إذ أن الأحكام في هذه الدعاوى تصدر عن المحكمة العسكرية وشروط قبول التمييز فيها صعبة جداً، أو عن المجلس العدلي الذي تعتبر أحكامه مبرمة. لذلك، لا يتقدّم هؤلاء بطلبات التخفيض لعلمهم بمصيرها مسبقاً، وعلى المحكومين بالمؤبد منهم انتظار انقضاء 18 عاماً غير سجنية (عام كامل) على محكوميتهم كي تصبح اللجنة قادرة على النظر في طلب خفض المؤبد الذي لم تحدّده الدولة بفترة سنوات معينة.