منذ أكثر من أسبوع، ومع ساعات الصباح الأولى، يبدأ طابور من الناس بالتشكّل أمام محالّ «بوغوس» في برج حمود لشراء الذهب الخام. ورغم أن مخزون الليرات والأونصات الذهبية نفِد عند كثير من محلات بيع الذهب، إلا أنها كافية لدى الرجل الذي يبيعها بأقل من السوق لكونه المحل الأم الذي يستورد ويصدر الذهب. في محلات أخرى، الزبائن لم يتوقفوا عن تسجيل طلباتهم. تراهم يسدّدون المال مقدّماً، موافقين على الانتظار أياماً ريثما تصل دفعات الذهب المستوردة من الخارج. أمام محالّ بوغوس فريقان من الزبائن: الصاغة الذين يشترون السبائك الخام، فيذوّبونها ويحوّلونها إلى مجوهرات مَصوغة، والناس الخائفون على مدّخراتهم، فيستثمرون في شراء الذهب ولا سيما مع انخفاض سعره.
هذان الفريقان ينقسمان أيضاً إلى مجموعتين: أصحاب الرساميل الكبيرة الذين يشترون السبائك وكيلوات الذهب للادّخار، وصغار المدّخرين الذين يكتفون بأونصة أو ليرة ذهبية (تُباع حالياً بنحو 396 دولاراً)، كما هي حال تريز، التي كانت تنتظر دورها لشراء أونصة ذهبية، «بهذه الطريقة نحافظ على أموالنا، وإذا ارتفع سعر الذهب لاحقاً نحقق بعض الربح».
وفيما يحرص الزبائن من المواطنين على طلب الذهب السويسري الصنع، لما يتمتع به من سمعة عالمية تسمح بالتصرّف به في أيّ مكان في العالم، يشتري الصاغة السبائك اللبنانية التي تُستورد بشكلها الخام من تركيا ومصر ودبي وغيرها من الدول المسموح الاستيراد منها.

الاستثمار الآمن
يعود السبب الرئيسي للإقبال على الذهب إلى تراجع أسعاره عالمياً، حيث بلغ سعر الأونصة نحو 1700 دولار تقريباً ومن المرجّح تراجع أسعاره بعدُ، بعدما سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً إثر جائحة كورونا وبلغت 2070 دولاراً.
ويشرح عبود بوغوس، وهو واحد من الإخوة بوغوس الذين أسّسوا شركة بوغوس العريقة لتجارة المعادن الثمينة منذ الستينيات في لبنان، سبب انخفاض الأسعار بالإشارة إلى «الحرب في أوكرانيا، إذ تسبّب بيع الروس والأوكران للذهب بزيادة العرض وبالتالي انخفاض السعر، وهذا ما جعل حركة البيع شغّالة في كلّ دول العالم، وخصوصاً لدى الأوروبيين الخائفين في ظلّ تراجع سعر اليورو أمام الدولار». أما محلياً، فيعيد بوغوس السبب إلى أن «الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وفقدان الثقة في البنوك، جعلت من شراء المعدن الأصفر الخيار الأفضل الأكثر أماناً وضمانة للكثيرين ولا سيما بشكله الخام لا المشغول».

الذهب اللبناني
يؤكد رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات، نعيم رزق أن الإقبال على محالّ المجوهرات ازداد في الشهر الأخير بنسبة راوحت بين 30 و40% «نظراً إلى ارتفاع الطلب على السبائك المعدنيّة غير المصنّعة، لأن الذهب المشغول لا يُعدّ أداة استثمار». ويعيد السبب بدوره إلى «انخفاض سعره عالمياً، والمخاوف من ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية». كما يلفت إلى الحركة التي تسبّب بها المغتربون «يشترون الذهب اللبناني لثقتهم به ولأن سعره أرخص من الخارج.
بعض المغتربين يتصلون بنا من الخارج ويرسلون مع أقربائهم أموالاً لشراء الأونصات بهدف الادّخار». ويؤكد رزق أن «الذهب اللبناني موثوق 100%، والناس عادة يطلبون المجوهرات اللبنانية، لأنه ذهب مشغول بذوق عالٍ وعياراته سليمة، وأرخص من الذهب المستورد لأن اليد العاملة اللبنانية صارت تكلّف أقل، وعندما يبيع القطعة اللبنانية لا يخسر بها كما يخسر بالذهب التركي والطلياني وغيره». أما عن ارتفاع سعر الأونصة في لبنان، بنحو 40 إلى 50 دولاراً فيعيده إلى «أكلاف النقل والشحن والتأمين، كما قد يرتفع عند محالّ أخرى بسبب كلفة الإيجارات وصعوبات الاستيراد».