بـ«رعاية» السفيرة الأميركية دوروثي شيّا وحضورها، افتتحت جلسة مجلس النواب التشريعية أمس. في العادة، يقتصر حضور السفراء في مجلس النواب على جلسات انتخاب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب مثلاً. ولكن لم يسبق أن حضر سفير أجنبي جلسة تشريعية بجدول أعمال عادي، لا يتضمّن بنداً يرتبط بشؤون البلد الذي يمثله. «اقتحمت» السفيرة الأميركية الجلسة ووُفّرت لها كل وسائل الراحة بإجلاسها في الصف الأمامي وضمان ألّا يزعجها الصحافيون، فيما لم يتكلّف أيّ نائب عناء السؤال عمّا جاءت تفعله. بل إن بعضهم، كمروان حمادة، حرص على أن تلاحظه بالتلويح وإرسال الابتسامات. حتى عناصر شرطة المجلس، تعاملوا معها بطريقة استثنائية. هؤلاء الذين يسارعون عادة إلى الطلب من الصحافيين والحاضرين ضبط طريقة جلوسهم احتراماً للمقام النيابي، لم يروا في وضع سفيرة «الإمبراطورية» رِجلاً على رِجل طوال فترة جلوسها انتقاصاً من هذا المقام.لنحو ساعتين، تسنّى لشيا حضور «مشاجرة» رئيس المجلس نبيه بري والنائبة حليمة القعقور، واعتراضات النائب فريد الخازن ونواب مسيحيين على اعتراض القعقور على طريقة بري «البطريركية» في الردّ، ما اعتبروه انتقاصاً من مقام البطريركية، قبل أن يدخل النواب علي خريس وسينتيا زرازير وقبلان قبلان في «المشكل». وانسحبت السفيرة الأميركية بصمت قبل أن ينتهي النقاش حول الاتفاقية مع البنك الدولي لشراء القمح. لكنها استمعت قبل ذلك الى تهنئة النائب جبران باسيل لوزير الاقتصاد أمين سلام على موافقة البنك الدولي على طلبه، فيما لم يُمنَح وزير الطاقة موافقة على اتفاقية الكهرباء. وأشار الى تصريحات روسية وأوكرانية حول دعم لبنان بالقمح، سائلاً رئيس الحكومة كيف سيوازن بين موسكو وكييف.

رفع السرية المصرفية
البند السابع الأهم على جدول الأعمال هو المتعلّق بمشروع القانون المعجّل المتعلق بتعديل بعض مواد قانون السرية المصرفية الذي لطالما وفّر الحماية المصرفية للفاسدين والمختلسين. وبخلاف ما أشيع بداية عن نية بعض النواب إسقاطه، مرّ القانون بسلاسة، باستثناء مداخلة لنائب الحزب الاشتراكي هادي أبو الحسن الذي سأل إن كان إقرار القانون «إصلاحاً أم غبّ طلب صندوق النقد». وعارض إقراره من منطلق عدم ثقته بالقضاء. وقد أدخلت بعض التعديلات على القانون، معظمها جرى التصويت والتصديق عليها من الغالبية، رغم عدم معرفتهم بالصيغة النهائية للتعديل. ففي ما خصّ المادة السابعة التي تتعلق بالجهات التي يحقّ لها طلب رفع السرية المصرفية، تذكر الفقرة (أ) ما يأتي: «القضاء المختص في دعاوى التحقيق في جرائم الفساد والجرائم المالية الأخرى والجرائم المحددة في المادة الأولى من القانون الرقم 44/2015 وتعديلاته أي قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ودعاوى الإثراء غير المشروع المقدمة استناداً الى القانون الرقم 189 تاريخ 16 تشرين الأول 2020». اعترض نواب القوات جورج عدوان وجورج عقيص وغادة أيوب ونائبا حركة أمل علي حسن خليل وأشرف بيضون والنائب نعمة افرام على مصطلح «الجرائم المالية الأخرى». وقال عدوان إنه «لا لزوم لذكر الجملة فلا علاقة لها بسرية المصارف، بينما القوانين المتعلقة بالفساد محدّدة بالقوانين المذكورة ضمن القانون». وتدخل النائب علي فياض ليسأل عما يرغب المجلس بفعله: «توسيع مفهوم رفع السرية أم تضييقه؟». وأكد ضرورة الإبقاء على «الجرائم المالية الأخرى» التي تتضمن كل جرائم الاختلاس الاحتيالي وإساءة الائتمان والاختلاس والمراباة والشيكات بلا رصيد وغيرها. وسانده النائب إبراهيم منيمنة والنائبة حليمة القعقور التي نصحت زميلتها أيوب بـ«العمل على إصلاح القضاء بدل الحديث عن الكيدية والاستنسابية فيه». إلا أن بيضون أصرّ على تغيير الجملة لتصبح: «الجرائم المالية المنصوص عليها في المادة 19 من قانون المحاكمات الجزائية»، أي وضع الأمر بتصرف المدعي العام المالي علي إبراهيم، فيما قدّم عقيص صيغة مشابهة وصُدّق عليها قبل أن يطلب النائب إبراهيم كنعان توضيحها في الجلسة المسائية حتى لا يتم ربطها بالمادة 19، وبالتالي بالقاضي علي إبراهيم. وجرى الاتفاق على اعتماد جملة «والجرائم المالية المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية».
وكان لافتاً إصرار وزير العدل في كل مداخلاته على وضع الصلاحية القضائية بيد النيابة العامة التمييزية فقط، وهو ما رفضه النائب حسن فضل الله لأن «هذا القيد يفسد أصل القانون الذي يضع الصلاحية بيد 4 جهات، لا حصرها في يد المدعي العام التمييزي». وفي ما يتعلق بالعقوبات المترتّبة على كل من يفشي بالمعلومات أو يمتنع عن تقديمها، طالب خليل برفعها ثم وافق على ربطها بالحدّ الأدنى للأجور، وتمّ التصويت على هذه الصيغة، ما يعني عملياً تخفيض العقوبة بدل رفعها. إذ كانت محددة بين 300 مليون و500 مليون ليرة، بينما تحديدها بـ 150 إلى 200 مرة ضعف الحد الأدنى للأجور يعني خفضها. وبرّر الأمر بأن الحد الأدنى للأجور سيتغير قريباً. وطلب بعض النواب إلغاء المادة الثالثة والعودة الى ما كانت عليه في مشروع الحكومة، أي إلغاء الحسابات الرقمية والخزائن المجهولة المالك، فتمت الموافقة على ذلك.
وخلال تعديل قانون الإجراءات الضريبية، شطبت العبارة الواردة في المادة 23 التي تتحدث عن «مراعاة الأحكام التي ترعى سرّ المهنة بالنسبة إلى نقابات المهن الحرة» لتبدأ الفقرة بـ«لا يجوز لأيّ كان التذرّع بسرّ المهنة للحؤول دون تمكين موظفي الإدارة الضريبية من مراجعة السجلات (...)». وفي نهاية النقاش، قدّم نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي مداخلة طالب فيها بإضافة لجنة الرقابة على المصارف ومؤسسة ضمان المصارف على الجهات التي يمكنها طلب رفع السرية المصرفية «لأن هذا الأمر ضروري ربطاً بقانون إعادة هيكلة المصارف وللاطلاع على الحسابات». إلا أن بري وعدوان رفضا الاقتراح، وأشار كنعان الى أن قانون إعادة الهيكلة لم يصل الى المجلس بعد ويبحث فيه لدى وصوله.

خليل ويعقوبيان
بموازاة قانون سرية المصارف، سقطت صفة العجلة عن اقتراح القانون المقدم من النائب حسن مراد حول تعديل المادة 17 من القانون 163/2011 المتعلق بترسيم حدود المياه الإقليمية الجنوبية والمنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً وفقاً للخط 29، وسقطت صفة العجلة عن الاقتراح المقدم من النائبة بولا يعقوبيان بتعديل المادة 6 من القانون نفسه. وأكد بري في هذا السياق الاتفاق مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على العودة الى اتفاق الإطار والمفاوضات غير المباشرة في الناقورة، وأشار الى انتظار الموفد الأميركي. وأعلن بري أيضاً سقوط صفة العجلة عن اقتراح القانون الرامي الى حماية أهراءات القمح، فنشب خلاف على خلفية احتساب الأصوات بين يعقوبيان التي اتهمت المجلس بـ«تزوير النتيجة»، وخليل الذي أجابها: «من غير المقبول إهانة المجلس».
مروان حمادة حرص على أن تلاحظه شيا بالتلويح وإرسال الابتسامات لها


وناقشت الجلسة 40 بنداً، أوّلها تعيين 7 أعضاء في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء فازوا بالتزكية (جميل السيد، عبد الكريم كبارة، هاغوب بقرادونيان، جورج عطا الله، عماد الحوت وطوني فرنجية، فيصل الصايغ الذي قدّم استقالته في الجلسة المسائية رغم ترشيح كتلته له)، فيما امتنع نواب الكتائب والقوات و«التغييريين» عن المشاركة تسمية وتصويتاً. كما أقرّ مشروع قانون فتح اعتماد في الموازنة بقيمة 10 آلاف مليار ليرة لتغطية الزيادات على رواتب موظفي القطاع العام، رغم معارضة غالبية النواب له من باب زيادة التضخم مطالبين بإقرار الموازنة أولاً. وأوضح ميقاتي أنه طلب من وزير المال تقديم عرض نفقات بالأرقام، وأن موضوع الموظفين يتّجه الى حلّ رغم إمكانية عدم قبوله من قبل القطاع العام! وطلب كنعان أن يحسم مبلغ الـ 10 آلاف مليار ليرة المطلوب من الموازنة. وجرى نقاش طويل حول اتفاقية القرض المقدّم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار لتنفيذ مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح، لناحية أن المبلغ سيكون بمثابة دين جديد على الدولة. وسأل النواب وزير الاقتصاد عما يضمن عدم هدر هذه الأموال واستخدامها من الأفران والمطاحن لمصالح شخصية، ولا سيما أن ثمة إخباراً موثقاً حول الهدر في الوزارة من النائب وائل أبو فاعور، فلم يقدم وزير الاقتصاد أي إجابة، وخيّر النواب بطريقة ابتزازية بين تجويع الناس أو القبول بالاتفاقية. وفيما أشار النائب الكتائبي سليم الصايغ الى أن 90% من الطوابير أمام الأفران في كسروان هم من السوريين، اقترح النائب جميل السيد الطلب من البنك الدولي أن يقدّم ربع هذا القرض كهبة لأن ثلثه يذهب الى النازحين. وتبيّن أن سلام أضاف قانوناً ملحقاً على الاتفاقية من دون عرضه في اللجان، ما أدى الى إقرار الاتفاقية من دون القانون. ومن ضمن البنود الملغاة أيضاً، طلب الحكومة إلغاء الاتفاق مع وكالة التنمية الفرنسية لدعم قروض الطاقة المتجددة وهو البند الذي عارضته الغالبية بالإشارة الى الحاجة الى هذا القرض، فطلب ميقاتي إعادته الى الحكومة لإعادة درسه.