تنفد مادة المازوت فتنقطع الكهرباء فجأة عن مختبرات كلية العلوم، ويسارع المشرفون عليها إلى جرّ «الثلاجات»، التي تحتوي على مواد أساسية للبحث العلمي في اختصاصات مختلفة ومحفوظة على حرارة منخفضة، ونقلها إلى أماكن أخرى، تجنّباً لتلفها وضياع جهود استمرّت لسنوات في تجميعها. تهمس إحدى موظفات الإدارة المركزية «لقد كنا لسنوات نحيا من الجامعة، أما اليوم فقد بات الأساتذة والموظفون والمدربون يُحيون الجامعة على حساب أبنائهم وأسرهم».هذه بعض مشاهد انهيار الجامعة اللبنانية التي استبدل الاحتفال بذكرى تأسيسها الـ71، أمس، بنداء أخير للسلطة السياسية والبلديات ومنظمات المجتمع المدني لإنقاذها قبل إعلان توقف المسيرة، فلا شيء يقال بعد كلّ ما قيل هذا العام، عن الجامعة المهدّدة بوجودها، والمتروكة لمصيرها، و«كأن الدولة تدفعها إلى الانهيار، وربَّما لا تريد لها أن تكون جامعة أكاديمية لكل اللبنانيين»، على ما قال رئيسها، بسام بدران، في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير التربية، عباس الحلبي.
مرة جديدة، لم يكن عدد الحاضرين في المؤتمر الصحافي بمستوى اللحظة المصيرية، لكن عريف اللقاء، المستشار الإعلامي للرئيس، علي رمال، عثر ربما على سبب العزوف وهو أننا «في 20 تموز والأستاذ والموظف لا يملكان في هذا الوقت أجرة الانتقال»!
وزير التربية حضر المؤتمر لكونه يمثل حالياً، كما قال، مع رئيس الجامعة، مجلس الجامعة بعد تغييبه وسلب صلاحياته، وقد ناشد الرؤساء الثلاثة بأن لا يسمحوا بسقوط الجامعة لا بأساتذتها ولا بموظفيها ولا بطلابها. ومع أنه يدرك بأن الـ104 مليارات المقرّة أخيراً لزيادة مساهمة الدولة في موازنة الجامعة ليست سوى نقطة في بحر حاجات الجامعة، لم يتردّد في دعوة أساتذتها وموظفيها إلى العودة عن إضرابهم، بحجة أن الجهات المانحة التي ينتظر أن ترصد 35 مليون دولار للجامعة، لن تدفع لموظفين لا يذهبون إلى عملهم!
من جهته، رفع «الرئيس» سقف الكلام، فطالب بفك الحصار عن الجامعة وعودة الصلاحيات إلى مجلسها، ومواجهة تخلي الدولة عن واجبها في دعم حقوقها وقضاياها، ووقف تصارع القوى السياسية وغير السياسية فوق رؤوس أهلها بهدف عرقلة ملفاتها الحيوية وتطوير برامجها الأكاديمية والبحثية.
ومن الأسئلة التي ساقها بدران: «كيف لجامعة تضم 80 ألف طالب أن تعمل بموازنة قدرها 366 مليار ليرة، أي أنَّ كلفة الطالب سنوياً تساوي ما يُعادل حالياً 160 دولاراً؟.
طلب «الرئيس» من أصحاب الشأن، من دون أن يسميهم، المساعدة الفعالة في تحصيل حقوق الجامعة من شركات الطيران (50 مليون دولار) لقاء فحوص الـ PCR لمختبرات الجامعة طيلة فترة جائحة كورونا. وعندما سئل ما إذا كان لا يزال لديه أمل باسترجاع الأموال أم أنها سرقت، كشف بدران أن المفاوضات مع المعنيين أفضت إلى إعطاء الجامعة 10 في المئة من القيمة نقداً والباقي شيكات، وهو ما لم تقبله الجامعة.
بدران أشار إلى أن الجامعة لم تُضرب إلا لأن أهلها لم يعودوا قادرين على الوصول إليها، فتعزيز الموازنة وإقرار ملفات التفرغ والملاك وإصدار العقود السنوية للمدربين، تسهم في فتحها وتأمين ديمومة عملها. وهنا ميز الرئيس بين دور الوزير ورئيس الجامعة والهيئة النقابية، فالوزير لا يستطيع أن يتكلم باسم الرابطة ولا يستطيع أن يطالب بالإضراب، والرئيس يقول إن الجامعة جاهزة للتعليم الحضوري شرط تأمين الأموال، في حين أن الهيئة النقابية تستطيع أن تقول: «ما في مصاري ما في تعليم»، وإن دعا إلى العمل بقاسم مشترك على خلفية «ما لا يترك كله لا يترك جله».
إلا أن رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين، عامر حلواني، قال إن العودة عن الإضراب ليست مطروحة اليوم، مطالباً أهل الجامعة بالوقوف لمرة واحدة وأخيرة موقف رجل واحد والسعي لعدم خرق الإضراب، داعياً الطلاب إلى الدفاع عن الجامعة والتحرك حتى لو كان ضد الأساتذة. وذكر بعض المشاركين بأن قرار العودة عن الإضراب منوط بالهيئة العامة للأساتذة وحدها وليس بالهيئة التنفيذية للرابطة.
عدد من طلاب الجامعة كانوا هنا للقول إن مصلحتهم خط أحمر وإنهم لن يسمحوا بتحويلهم إلى رهائن وضحايا ووقود للضغط على السلطة.


موظفو الجامعة: دوام ليوم واحد
سبقت المؤتمر الصحافي لوزير التربية ورئيس الجامعة جمعية عمومية لموظفي الجامعة التي أوصت باستمرار الإضراب المفتوح والعودة ليوم واحد فقط هو الأربعاء لتسيير معاملات الطلاب والأساتذة. وأشار رئيس رابطة العاملين في الجامعة حبيب حمادي إلى أن الالتزام بالإضراب يلامس 90 في المئة وهناك تنسيق تام مع باقي روابط موظفي القطاع العام، فيما يخضع الباقي لضغوط بعض عمداء الكليات والمديرين.